/ صفحة 12 /
ومن حوله جنود الإيمان والإخلاص، فأبطل الله بهم كيد الكائدين، ورد الألفة والمحبة إلى جماعة المؤمنين، فما أجدر المؤمنين اليوم أن يتنبهوا إلى شاسهم الذي يعمل في صفوفهم، وما أحوجهم إلى قائد قوي ذي عزمات يجمع شملهم، ويذود عنهم أعداءهم، ويطهر جوهم من فتن المفسدين، وكيد الكائدين.
وأحب أن ألفت الأنظار إلى ما تضمنته هذه الآية من عدالة في الحكم وإنصاف لأهل الكتاب، وعدم تجاوز للواقع في شأنهم، فإن أهل الكتاب، ككل أمة، فيهم الخبيث والطيب، والمحسن والمسيء، ومحب الخير ومحب الشر، وظروف الحياة والتعامل والاشتراك في الوطن، وبخاصة المصاهرة التي شرعها الله بيننا وبينهم، كل ذلك يقضي بإباحة تبادل مظاهر الحياة، ولا تخلومن أمر وإرشاد ونهي وإبداء رغبة وإشفاق وتعاون وشهادة ونحو ذلك مما يقضي به الاجتماع، وليس من الحكمة أن يُفَوِّت المسلمون على أنفسهم الانتفاع بما قد يجدونه من هؤلاء خاليا عن الإيذاء، محضا للنفع والخير، لهذا ندى القرآن في مثل هذا المقام يقصد في حكمه، ويعبر التعبير المتزن الذي يفتح للمسلمين باب التعامل مع أهل الكتاب، ويصدر الحكم في التحذير منهم جزئياً لا كلياً، أنظر إلى قوله تعالى: (ودت طائفة من أهل الكتاب). (وقالت طائفة من أهل الكتاب) (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقيطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما). (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه). (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب). (ليسوا سواء).
وعلي هذه السنة العامة جاء التعبير في آيتنا هذه: (إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب) وعلي هذه السنة الغالبة يُنزَّل قوله تعالى: (يأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون، يأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وأنتم تعلمون، يأهل الكتاب لم يصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء، وما الله بغافل عما تعملون).