/ صفحة 128 /
النداء الخامس قوله تعالى:
(يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين).
يقول المفسرون: إن هذه الآيات نزلت في سياق الكلام عن غزوة أحد، وكان المشركون وعلي رأسهم أبو سفيان، والمنافقون وعلي رأسهم عبد الله بن أبي وأتباعه، قد جعلوا يبثون فتنتهم في ضعفة المؤمنين، ويقولون لهم: لوكان محمد رسول الله ما وقعت له هذه الواقعة، وإنما هو رجل كسائر الناس يوما له ويوما عليه، فارجعوا إلى دينكم الذي كنتم فيه.
والكلام شامل لجميع المؤمنين ولجميع الكفار، وقد تضمنت الآيات أموراً ثلاثة:
الأمر الأول: نهي الله المؤمنين عن أن يطيعوا الكافرين، حيث بين لهم أن في إطاعتهم الانقلاب على الأعقاب وخسران الدنيا والآخرة.
وهذه حقيقة يجب أن تكون مائلة أمام أعين المؤمنين في كل زمان ومكان، فإن الكفر عدو الإيمان، ولا يزال العدو يحارب عدوه، ويتربص به الدوائر حتى يوقعه ويهزمه لو استطاع، وأهل الكفر لايفتأون يحاربون المسلمين ليردوهم عن دينهم، ويعيدوهم في ملتهم، ولهم في ذلك أساليب ليست الحروب أشدها، ولا افظعها، منها غزو أفكارهم بمبادئهم الفاسدة التي يصورونها لهم في صوره الصلاح والتقدم والمدنية، ومنها إغراء العداوة بينهم، وتقطيع الأواصر بين شعوبهم وطوائفهم، فهم يخيلون لكل فريق من المسلمين أنه هو المحق وهو الجدير بالزعامة، وعلماؤه هم خير العلماء، وقادته هم أعظم القادة، وبلاده هي خير البلاد، لا يريدون بذلك إلا أن يحولوا بينهم وبين التفاهم والتقارب، لأنهم إذا تقاربوا وتفاهموا كانوا قوة، وكانت لهم العزة، وبطل من بينهم سحر الاستعمار، ولم يعد لأهل الكفر سلطان عليهم، ولا تأثير فيهم.