/ صفحة 126 /
للحقائق، ولا جاهلين بسنن الاجتماع، فإن الأمم يألف ما يوضع لها من النظم، وتطمئن إليه، وإذا عرف أفرادها أنه لا سبيل إلى نوع من التعامل لتحريمه، التمسوا غيره، ووطنوا أنفسهم على الاكتفاء بما أبيح لهم.
بهذا يتبين أن ما يزعمه الزاعمون من عدم إمكان التخلص من الربا، ووجوب مجاراة الأمم في التعامل به،ليس صحيحاً. وأنه يمكن تدبير الأمر على نحو يتفق مع ما تبيحه الشريعة لو أراد الناس ذلك مخلصين.
أما ما اعترضوا به من إباحة السلم فإن السلم بيع فيه ثمن ومثمن، وليس النقد هو كل شيء فيه، وليس المشتري فيه دائماً كاسباً، فقد ترخص السلعة عند حلول الأجل وقد تغلو، فالمخاطرة التي تكون في التجارة موجودة فيه، على أن الربح في السلم ليس شأنه أن يكون أضعافا مضاعفة كالربح في ربا النسيئة، وإذا فرضنا أن المشتري غبن صاحبه في صفقة السلم استغلالا لحاجته، فان الشريعة تحرم هذا، وبعض المذاهب يجعل الغبن الظاهر من مفسدات العقد أيا كان.
* * *
بقى علينا أن ننبه في هذا الشأن لأمر خطير، هوان بعض الباحثين المولعين بتصحيح التصرفات الحديثة، وتخريجها على أساس فقهي اسلامي، ليعرفوا بالتجديد وعمق التفكير يحاولون أن يجدوا تخريجاً للمعاملات الربوية التي يقع التعامل بها في المصارف أو صناديق التوفير أو السندات الحكومية أو نحوها، ويلتمسون السبيل إلى ذلك، فمنهم من يزعم أن القرآن إنّما حرم الربا الفاحش بدليل قوله: (أضعافاً مضاعفة) فهذا قيد في التحريم لابد أن يكون له فائدة وإلا كان الإتيان به عبثاً، تعالى الله عن ذلك، وما فائدته في زعمهم إلا أن يؤخذ بمفهومه وهو إباحة ما لم يكن أضعافاً مضاعفة من الربا.
وهذا قول باطل، فإن الله سبحانه وتعالى أتى بقوله (أضعافاً مضاعفة) توبيخاً لهم على ما كانوا يفعلون، وإبرازاً لفعلهم السيء، وتشهيراً به، وقد جاء مثل هذا الأسلوب في قوله تعالى (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا