/ صفحة 124 /
أسس الاقتصاد، فإن المصارف المالية والشركات المختلفة التي لا غنى للأمة عنه تعتمد عليه في سائر معاملاتها، وليس من الرأي ولا من مصلحة الأمة أن نشير عليها بهدم ذلك كله، وأن ننفرد من بين الأمم بمعاملة خالية من الربا، وأن نترك البيوت المالية الأجنبية تفيد من ثمرات هذا التعامل العالمي دوننا، وقد ارتبطت الدول والأمم بعضها ببعض فلم يعد من الممكن أن تستقل أمة بنوع من المعاملة لا تعرفه غيرها، وإن أساليب الإصلاح والعمران لتستدعي رصد الأموال وتجميعها من الأفراد لتستغل فيما ينفع الأمة، وتستدعي في كثير من الأحيان أن تقترض الحكومات من غيرها أومن الشعوب أموالا تضمنها بسندات ذات ربح مقدر، فتمتض بذلك الأموال المدخرة المعطلة، وتحولها إلى منافع ومصالح ترقي بها الأمة وتسعد.
ويقولون هذا ويرون أن تحريم الإسلام للربا عائق عن بلوغ الأمة شأو أهل المدنية الحديثة، مفض بها إلى الضعف المادي، فالضعف الأدبي، فالاستعمار.
ومن الناس من يقول: إن اقتراض المحتاج قدرا من المال بفائدة ربوية (قانونية) يمكنه من سد حاجته ويدرأ عنه الإفلاس والضياع، فلا يعقل أن يكون هذا ضرراً أو فساداً، وإنما هو نفع وصلاح، ونحن نجد من المعاملات التي أباحتها الشريعة الإسلامية ما يعتمد على دفع الأقل عاجلا للحصول على الأكثر آجلا كالسلم، فحيث أجاز الشرع معاملة السلم فليجز معاملة الربا، فإن المعنى واحد.
وهذا موضوع قد أثير كثيراً، وشغل الأفكار منذ أنشبت المدنية الحديثة أظفارها في أعناق المسلمين، وعمل أهل التشكيك في صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان عملهم المثابر المتواصل في الفتنة وزلزلة القلوب عن دين الله، والقضية في الحقيقة ليس قضية الربا أو غيره من المعاملات المالية، وإنما هي قضية الشريعة الإسلامية كلها، وقد انصرف عنها أهلها، وتعلقوا بأهداب غيرها من قوانين الأمم الغالبة المسيطرة عليهم، ومن شأن المغلوب أن يولع بتقليد الغالب،