/ صفحة 123 /
لذاته، وأن الدارهم والدنانير في نفسيهما ليسا إلا حجرين كسائر الأحجار، وإنما خلقهما الله ليكونا وسيلة للتعامل بين الناس وقضاء المصالح، ويُتخذا ميزانا لتقدير قيم الأشياء التي يحتاج إليها الناس في معاشهم، فقد يكون عندك ثياب أو إبل أو نحو ذلك، وأنت محتاج إلى دقيق، وليس صاحب الدقيق محتاجا إلى شيء من ثيابك أو إبلك حتى تبيعه بعضها ببعض ما لديه من الدقيق، وإنما هو محتاج إلى حديد أو آجر مثلا، فاحتيج إلى النقد ليتوسط بين الناس، فيكون أداة التبادل، والحَكَم العدل فيه، فمن خرج به عن هذا الوضع الذي وضعه الله له فقد كفر بنعمة الله فيه، فإذا كنزت المال فكأنك حبست الحاكم ومنعته من أن يتصرف ويقوم بما عليه، وإذا استملت الذهب والفضة في آنيتك فكأنك سخَّرت الحاكم فيما تفعله العامة والدهماء من الخدمة، لأن النقد لم يجعل لذلك، وإنما جعل لذلك الحديد والنحاس وأمثالها من المعادن المعدة للخدمة لا للحكم وتعديل التعامل، وعلي هذا يكون النظر إلى النقدين على أنهما ليسا ميزانا للتقدير، والخروج بهما إلى إن يكونا مقصودين بالتعامل، واستغلال المال بالمال، مما لا يقه الشرع ولا يرضاه الله لعباده، لأنه يؤدي إلى انحياز المال للأغنياء، وتكدسه في خزائنهم وصناديقهم، ووقوف حركة الأعمال والتثمير بين الناس، وانهيار قيمتها، وشيوع البطالة والكساد في الأمة.
هذه نظرة الإسلام إلى الربا من الجانب الخلقي الانساني، ومن الجانب الاقتصادي العملي، ولذلك حرمه الله تحريما قاطعاً، وتوعد آكليه بأشد العقوبة، فقال في سورة آل عمران بعد النهي عنه: (واتقوا النار التي أعدت للكافرين) إيذاناً بسوء عاقبة آكليه يوم القامة، وقال في سورة البقرة: (ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). (والله لا يحب كل كفار أثيم). (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله). (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
* * *
يرى بعض الناس أن الربا أصبح في عصرنا الحاضر معاملة عامة، وأساساً من