/ صفحة 122 /
المشترك، أما المجتمع الذي تتسلط فيه النزعة المادية على الخلق، فإنه يكون أشبه بمجتمعات الذئاب، كلٌّ يريد أن يستلب لنفسه ما يستطيع ولو مات غيره، وكلٌّ يتربص بغيره دائرة السَّوء، وما هذه الرَّجَّات التي تصيب الدول من قيام الفقراء على الأغنياء، وتهديدهم المستمر لأصحاب الثروات ورءوس الأموال، إلا أثراً من اختلال الأمر بعد اختلال هذا الجانب الخلقي، وهذا هو السر في أن الله سبحانه وتعالى ربط النهي عن الربا بالإيمان في ابتداء الآية حيث قال: (يأيها الذين آمنوا) وبالتقوى والفلاح في آخرها حيث قال: (واتقوا الله لعلكم تفلحون) ثم بالرحمة حيث قال: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) وما الفلاح والرحمة إلا استقامة أمور الناس على الصراط المستقيم، وما يسودهم من روح الإخاء والسعادة المشتركة التي تجمع بين قويهم وضعيفهم، وغنيهم وفقيرهم، وتربطهم جميعاً برباط من التآلف والمحبة.
أما نظرة الإسلام في تحريم الربا إلى الجانب الاقتصادي العلمي بعد هذا الجانب الخلقي، فمرجعها إلى أن المجتمع الصالح المبني على أسس قوية هو المجتمع الذي يكون كل فرد من أفراده عضواً عاملا فيه، أما إذا كان بعض أفراده عاملين، وبعضهم كسالى يعيشون عالة على غيرهم، ويعتمدون في بقائهم ومتاعهم على ما يقدمه الآخرون لهم، فإن هذا المجتمع يختل توازنه، ويدركه الضعف والشقاء والتخاذل بقدر ذلك، وفي يقول الإمام الرازي: (إنّما حرم الربا من حيث إنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقدا كان أو نسيئة خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة، وذلك يقضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات).
وللإمام الغزالي رضي الله عنه بحث ممتع في كتاب الشكر من الإحياء تعرض فيه يما يعد أساساً في هذا الجانب الاقتصادي، وخلاصته أن المال ليس مقصوداً