/ صفحة 121 /
ولا تُظلمون، وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، وإن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون).
وهكذا يبين الله للناس أن من أراد التضعيف والتنمية لما له حقاً فعليه بالصدقة، فإن الله يضاعفها ويبارك لصاحبها في الدنيا والآخرة، أما الربا فإنه وإن كان تضعيفاً للمال وتنمية له في الظاهر فإنه محق وإزالة في الحقيقة، والمحق كما يكون بإزالة المال وإضاعته بآفة تصيبه أو خسران يحل بصاحبه في تجارة أو كارثة أو نحو ذلك؛ يكون أيضاً بضياع بركته، وذهاب فائدته، وحرمان صاحبه من لذائذه والتمتع به.
وفي هذا المعنى يقول الله عز وجل في موضع آخر: (وما آتيتم من ربا ليربوفي أموال الناس فلا يربو عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون).
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ فإن الله تعالى يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوَّه حتى تكون مثل الجبل).
بهذا كله يتبين أن الإسلام نظر أولا إلى مسألة الربا والصدقات نظرة إنسانية. وشرع الأمر فيهما على أساس تربية المجتمع تربية خلقية أساسها التراحم والمودة والتعاون وتعليم الإنسان أنه ليس كالحيوان المعتمد على القوة والغلبة، الذي لا تعرف الرحمة سبيلا إلى قلبه، وإنما هو خَلق كريم ذو قلب وعاطفة وخُلق لا يستقيم أمره في الحياة إلا بها، ولا يصلح شأنه إلا عليها.
وقد دلت التجارب على أن المجتمع الذي يتركز فيه التعاون والتراحم بين الناس بعضهم وبعض، ويكون شعاره إحساس كل فرد بآلام الآخرين، وتموت من بين أفراده نزعة عبادة المال وتقديمه على كل معنى شريف من المعاني الإنسانية الكريمة؛ دلت التجارب على أن المجتمع الذي يكون شأنه ذلك، يكون مجتمعاً سعيداً هانئا ينظر أغنياؤه إلى فقرائه، وفقراؤه إلى أغنيائه نظرة الحب المتبادل، والتعاون