/ صفحة 11 /
لله ورسوله من المهاجرين والأنصار وصاح فيهم: أترجعون إلى أحوال الجاهلية وأنا بين أظهركم وقد أكرمكم الله بالإسلام وألف بين قلوبكم؟! فسكنت ثائرتهم وأغمدوا سيوفهم، ورجعوا إلى الله ورسوله تائبين نادمين مستغفرين، وهكذا التأم الجرح الذي حاول هذا المفسد أن ينكأه، وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإخوانهم راضين مطمئنين، وأنزل الله هذه الآية: (يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين).
ولنقف هنا قليلا لنستخلص العبرة من هذا الموقف كله فنقول أولا: إنه لا يزال هذا الشأن الذي تناوله شاس بن قيس في جماعة المؤمنين الأولين، يتناوله أعدأء المسلمين في كل عصور التاريخ حتى يومنا هذا، وإن للمسلمين في كل عصر من هؤلاء الخصوم النافسين عليهم مكانتهم، الحريصين على تمزيق شملهم، وتفريق كلمتهم، المنفرين لهم عن اجتماعهم حول كتابهم، (شاسا) يعمل هذا العمل، ويأب عليه جاهداً، لا وانياً عنه ولا مقصراً، ولكن هناك فرقا بين شاس اليوم وشاس الأمس، فقد كان الأول فرداً ضعيفاً ضئيلا، أوكان أفراداً معدودين ليست لهم قوة، ولا يستعينون بعلم ولا نظام ولا سلاح، ولا يملكون من الجاه والمال والسلطان ما يجذبون به عشاق المال والجاه والسلطان، أما شاس اليوم فيتمثل في دول مختلفة ذات قوة وعتاد وعلم وسلطان، وكيد وتدبير، تتجاذب المسلمين في كل أقطارهم، وتتفق جميعاً في غاية شاس الأول من هدم الإسلام وتمزيق أهله، وإحياء العداوات التي أطفأ الله نيرانها من قبل، وإذ كاء نار الخصومة والبغضاء فيهم حتى جعلوهم كأرباب الأديان المتفرقة، ينفس بعضهم على بعض، ويكيد بعضهم لبعض، ويظن بعضهم الظنون ببعض، وقطعوهم أمما وشيعا، كل حزب بما لديهم فرحون.
ونقول ثانياً: إن شاس الأمس لم يستطع أن يصنع بتلك الكتلة المتراصة القوية شيئا مع وجود ذلك القلب القوي الرحيم، قلب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)،