/ صفحة 119 /
وضع القرآن الكريم هاتين الصورتين وجهاً إلى وجه، فجاء في آيتنا هذه بعد تحريم الربا قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
ولا شك أن الإنفاق في السراء والضراء إنّما يصدر عن ذوي النفوس السمحة التي لم يفسدها الشح، ولم يصدها الطمع والجشع عن إنقاذ البائسين، والإشفاق على الفقراء والمحتاجين، فإن الذي ينفق في حالة السراء يدل بذلك على أن النعمة لم تطغه ولم تفسد عليه إلسانيته، ولم تمنعه من الإحساس ببؤس غيره، ومعاونته على التخلص من هذا البؤس، والذي ينفق في حالة الضراء يدل بذلك على أنه أمرؤ (في طبعه الإيثار، وفي قلبه من الرحمة ما يدفعه إلى أن ينسى نفسه ليذكر غيره، والي أن يحتمل المشاق ليرفه عن غيره ولو بعض الترفيه، والله سبحانه وتعالى يصف المؤمنين بقوله (ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
وهكذا يربي الإسلام النفوس على البذل والإيثار والبر، يعلم الغني أنه لم يخرج بغناه عن دائرة بني جنسه، ولم يصر بالمال نوعاً آخر حتى ينكر الناس ويتنكر لحاجاتهم، وإنما هو منهم وهم منه، وهو بهم وهم به، وعليه أن يعاونهم وأن يبادلهم العطف والرحمة والبذل، كما يعلِّم الفقير أنه لم يخسر نفسه إذ خسر المال، ولم يفقد كرامته وقيمته الإنسانية، فعليه أن يبذل من ماله ولوكان قليلا، ولوكان في حاجة إليه، ليشعر من يعيش معهم بأنه إنسان ذو قلب.
فهو يريد أن يحفظ على الفقير كرامته كالغني، فإنه إذا ساهم ولو بالقليل في تفريح كربة غيره ذاق لذة الأحسان، وشعر بكرامته كإنسان، وإذا رآه من هم أكثر منه مالا، كانت لهم فيه أسوة حسنة، وأحبوه واحترموه، ولهذا أباح الله للفقير أن يأخذ صدقة الفطر، وطالبه في نفس الوقت أن يُخرج عن نفسه وعمن تلزمه نفقته، ومن عرف وسائل التربية الصحيحة تبين له أن هذا الأسلوب من أعظم الأساليب في انتشال نفوس الفقراء من مواطن الذلة والشعور بالخسة،