/ صفحة 118 /
وكان كما يدخل النقد على هذا النحو يدخل الدَّين في الأنعام؛ يكون للرجل عل الآخر دين من الإبل مثلا، فإذا حل الأجل وكان عنده قضاؤه قضاه، وإلا حوَّله إلى السن التي فوق ذلك: إن كانت ابنة مخاض (أي في السنة الثانية من عمرها) يجعلها ابنة لبون (وهي ما كانت في السنة الثالثة من سنها(ثم حقة ثم جذعة.. الخ.
فالمقصود في الآية هو هذا النوع من الربا الذي كان معروفاً في الجاهلية، وهو ربا النسيئة، وقد أجمع المسلمون على تحريمه، أما ربا الفضل ففي دخوله فيما حرمه القرآن أو عدم دخوله كلام بين العلماء.
وللإسلام في تحريم الربا نظرة ترجع إلى الجانب الخلقي، ونظرة ترجع إلى الجانب الاقتصادي العملي:
فأما نظرته إلى الجانب الخلقي فإنه يريد أن، يكوِّن مجتمعاًً متراحماُ متعاوناً لا تكون قاعدة التعامل فيه أن يستلب القوى ما في يد الضعيف، وأن تّستغل حاجات المحتاجين استغلالا دنيئاً لإرباء ثروة الأغنياء، وتحويل الأموال إلى خزائنهم، وذلك أن الربا يكون بين دائن قوى في يده من المال ما هو فوق حاجته ومدين ضعيف محتاج إلى هذا المال، فيستغل القوى ضعيف الضعيف وحاجته الملحة، ويجعل ما يقدمه له من المال شبكة يصطاد بها ما لديه، وليس للأول فضل إلا أنه غنى مالك، وليس للثاني ذنب إلا أنه فقير محتاج، ولا شك أن المجتمع الذي يقوم على تمكين القوى القادر من أسباب الحياة السعيدة وتيسير وسائلها له، وحرمان الضعيف المحتاج من المعاونة والرحمة ومن حقه الإنساني في أن ينقذ وينتشل من وهدة الفقر والحاجة؟ لا شك أن المجتمع الذي يقوم على هذا مجتمع فاسد شبيه بمجتمعات الوحوش في الغاب.
وقد وازن القرآن الكريم بين هذه المعاملة القاسية وبين الصدقة والإحسان والتعاون ليبرز لنا صورتين متضادتين: صورة الغني الذي يأخذ بيد الفقير، رحمة به وشفاقا عليه، فيعطيه بعض ماله ابتغاء وجه الله، وصورة الغني الذي امتلأ قلبه بالقسوة، فلم يعد له همٌّ إلا أن يمتص دماء المحتاجين، ويجمع دراهمه ودنانيره من أفواه الجائعين المحرومين.