/ صفحة 10 /
كثيراً ما كشف القرآن الكريم عن نيات الكفار وأهل الكتاب للمؤمنين، وأنهم لا يألون جهدهم في ردهم عن الحق الذي أشرقت أنواره على قلوبهم، وأنهم كانوا يتخذون لذلك صورا وألواناً من الشبُّه وإثارة الفتن والإيقاع بينهم، وفي ذلك يقول الله عز وجل في سورة البقرة: (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) ويقول فيها: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ويقول: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) ويقول في سورتنا هذه: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون) (وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون).
وكان من هذا ما رواه المفسرون بصدد آيتنا هذه: (إن تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين): مرّ شاس بن قيس اليهودي ـ وكان عظيم الكفر، شديد الطعن على المسلمين، شديد الحسد لهم ـ على نفر من الانصار يجمع بين الأوس والخزرج، بعد أن استل الإسلام ما كان بينهما من أحقاد وضغائن، فشق عليه أن رآهم وقد طابت نفوسهم، وجلسوا يتبادلون أحاديث المودة والإيمان والإخاء، فجلس إليهم، وأخذ يجرهم شيئاً فشيئاً إلى أحداث الماضي حتى وقع بهم فيما كانوا فيه، وجرت بينهم ذكريات ذلك الماضي الذي جللهم بسواد العداوة والخصومة، وأخذ ينشدهم بعض ما قيل في حروبهم من الشعر، فحرك من وجدانهم، وهاج من شعورهم، وما زال بهم حتى تنادوا فيما بينهم، وعلي أنفسهم: السلاحَ السلاحَ، ولكن الله الذي كفلهم برعايته، وطهرهم من رجس الجاهلية، وعداواتها الغاشمة، وملأ بالإيمان قلوبهم، وأقام على الألفة والأخوة أمرهم، لم يمهل هذا الشيطان الذي نفث فيما بينهم سمومه، فأحبط سعيه، وأبطل كيده (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) فما هي إلا لحظات حتى بلغ الخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج إليهم تحيط به قلوب أخلصت