/ صفحة 102 /
الأولين نخوة الجاهلية وتعاظمها بالآباء، فأصبحنا نرى فيه أرباب المذاهب المختلفة إخواناً متصافين لا يضرب بعضهم بعضا، ولا يكيد بعضهم لبعض، وخطا الأزهر خطوة أخرى، فقرر في كبرى كلياته دراسة الفقه المقارن الذي لا يتقيد بمذهب ولا بطائفة، ولا يعتمد إلا على الدليل والمأخذ الأصولي الإسلامي، فصار الطلاب يتركون مذاهبهم على أبواب فصولهم قبل أن يدخلوها، ويتعاونون هم وأستاتذتهم على تبين الحق مجرداً عن الأهواء، متحرراً من الأقوال والآراء، وبين يدي الآن كتاب (مقارنة المذاهب في الفقه) الذي يدرس رسمياً في كلية الشريعة، وفي أوله يقول مؤلفاه الفاضلان:
(هذا نوع جديد من دراسة الفقه، أساسه أن توضع المسألة، ويذكر حكمها في كل مذهب من المذاهب، ثم تعرض أدلة المذاهب وجهات النظر التي كانت منشأ اختلاف الأئمة في الحكم، ثم تناقش الأدلة من جميع الجوانب المتصلة بأخذ الحكم منها، ثم يتخذ المدرس من نفسه حكما عدلا، جرد نفسه من المذهبية التي ألِفها، لا يبتغي غيراً لوصول إلى الحق، فيخلص من تلك المناقشات، بالرأي الذي يستقيم لديه دليله، وتتضح وجهته، فإذا كان المدرس ممن يسايرون العاطفة المذهبية، ويخضعون لها؛ فإنه لا يستطيع أن يقف موقف الحكم العدل من هذه المذاهب، وجدير به ألا يمد عينيه إلى هذا النوع من الدراسة، فقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لمن يبادله عاطفة صداقة أو قرابة، ولا على من بينه وبينه عاطفة بغض أو عداء)(1)
وهناك مظهر أخر من مظاهر التطور الفكري الأزهري، وذلك هو اشتراك طائفة من علمائه الأجلاء في (جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة) فقد عده أهل العلم في مختلف بلاد المسلمين علامة صحيحة على هدوء روح العصبية المذهبية، وتفاءلوا به خيراً؛ ولوان هذا العمل العظيم عرض على علماء الأزهر
ــــــــــ
(1) ص 2 من كتاب (مقارنه المذاهب في الفقه) لمؤلفيه الفاضلين الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد السايس طبع مصر سنة 1355هـ.