/ صفحه 77/
قرة عينه، وشفاء نفسه، وموضع حبه وإعزازه، فاطمة أم الابناء واصل الذرية الطاهرة، والعترة اشريفة، فاطمة زوج الإمام ابن عم الرسول صز، ذلك البطل الصنديد الذي فدي النبي بنفسه، وصحي في سبيل الدين والعقيدة بكل ما في الدنيا من متاع، فاطمة زوج هذا، وبنت ذاك، هي التي تبكي! وعلى من تبكي؟ على أولادها!
بهذا بعتذر الشاعر عن العيون التي لم ترديار الأهل والاحباب، لأنها مشغولة بادموع بكاءً على هذا البكاء، ثم هو يذكر عصابة الظلم التي ضاعت على يديها "دماء محمد وبينه" ـ وما أروعه من تعبير عاطفي يخلع القلوب ـ بلين يزيد وزياد، فيلخص في هذه الجملة أو في هذا البيت، تاريخ جهاد وجلاد، وظلم وعدوان، وتقتيل وإهدار للدماء، يقوم ذلك كله على أيدي الرموس والأذناب من خلفاء بني أمية وعمالهم!ثم يأتي الشاعر بعد أن أثار في النفوس هذه الذكريات الهائلة، فحرك بها الأشجان، وأهاج الأضغان، بدعوته المثيرة الخطيرة: "يا غيرة الله اغضبي لنبيه"، ولا يريد هذه الغضبة رجزا من الشماء يسقط، ولكنه يريدها سيوفا بيضا تتزحزح من أغمادها! فمت ذا الذي يسمع هذا الشعر ولا يحس نار الفجيعة، وأي سيف يبقي في قرابه، وقد استثاره هذا الباكي الحزين، واستثاره غيرة الله وغضبة الله لنبيه وأبناء نبيه؟
واسمع إلى فاطمة بنت الأحجم إذ ترثي أباها فتقول:
فتركتني أضحي بأجرد ضاحي قد كنتَ لي جبلا ألوذ بظله
أمشي البراز وكنت أنت جناحي قد كنتُ ذات حمية ما عشت لي
منه وأدفع ظالمي بالراح فاليوم أخضع للذليل وأتقي
قد بان حد فوارسي ورماحي و أغض من بصري وأعلم أنه

وإنها لصورة واضحة رائعة تصورها هذه المرأة الباكية الحزينة، وترسم بها حياتها الذليلة الحائرة الخائفة الضعيفة بعد أبيها، وقد كان ملجأ لها، فأصبحت غرضا لهام الأيام، وكانت به ذات حمية وأنفة وعزة، تبرز في الفضاء آمنة مطمئنة