/ صفحه 76/
في منزل موحش من بعد إيناس تركتني هائما أبكي لمرزئتي
ما الناس بعد يا مرداس بالناس أنكرت بعدك ما قد كنت أعرفه
فما أروع قوله "يا عين بكي" فإن لها في ذوقي الأدب والفن لشأنا لا يبلغه أن يقول: ابكي، ولا أحب أن أفسد هذا التعبير الناطقبمحوالة إطهار مرجع القوة فيه، فلا أقول إنه أمر للعين بالبكاء والتبكية، بكاء منها، وتبكية لسواها، ولا أقول أمر بالبكاء على صيغة التفعيل لإفادة التكثير، ولكنن أترك هذا اللفظ الرائع في جرسه ومعناه ووضعه وصدق تعمثيله لما يشعر به صاحبه من لوعة تكاد ترديه، ثم ما روع دعاءه "يا رب مرداس اجعلني كمرداس" فلو أن خطيباً جعل يرثي هذا القتيل، ويسرد على الناس مآثره وصدق بلائه، ويبشع لهم جريمة قتله، ومصيبة ظلمه، لما بلغ من نفوس سامعيه ما تبلغه هذه الجملة الدعائية القوية ذات المعاني الكُثْر في الإشادة بمرداس، والرغبة في التمثل بمرداس، والإنذار الأعداء مرداس! ثم ما أروع ما يبثه صاحبه من حزن عليه، وثيام وشتات بعده، ووحشة جعلته وحيدا نافرا، لا يسامر أنيسا، ولا يجالس جليسا، وينظر إلى الناس فاذا هم في عينه غير الناس.
فأي عين لا تدمع وأي فواد لا يتقطع؟
وإنك لواجد هذه القوة، وشاعر مثل تلك اللوعة، كلما التمست شعراً نبع من قلب قائله، وأملته عليه العقيدة، وصور به شعوراً حقيقياً غير مفتعل، وما كان ذلك مقصوراً على هؤلاء الخوارج. فاسمع إلى الشريف الرضي في بعض ما بكي به آل الرسول صولات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
لبكاء فاطمة على أولادها
شغل العيون عن الدبار بكاؤها
وبينه بين يزيدها وزيادها
من عصبة صناعت دماء محمد
و تزحزحي بالبيض من أغمادها!
يا غيرة الله اغضبي لنبيه
فهو قول رجل محب مكلوم الفؤآد تكاد تشم رائحة كبده المحترقة، حين تنشد هذا الشعر: إنه يذكر فاطمة، وما أدراك ماهيه، فاطمة بنت محمد، التي كانت