/ صفحه 75/
الذعاف: اسم الذي يقتل من ساعته. يقال موت ذعاف، بالذال المعجمة، والمقشَّب المخلوط من قولهم: قشب الطعام بالسم خلطه به. وتقدير الكلام: أساقك الذعاف المقشب بالموت، فهو يدعوه إلى كأس خطيرة فيها سم ذريع سريع قد قشب بالموت ومزج به مزجا. ثم هو ينصفه من نفسه كما يود أن ينتصف لها ويقول له: تعالى نتساق هذه الكأس، فإما أرحت وإما استرحت، وحسبك بسقيين هذا شرابهما، ولعمري ما أوحي بهذا الشعر إلا جنان ثابت، وإيمان يملأ القلب ويعمر النفس.
وإن شئت أن تطلب مزيدا من مثل هذا الشعر، فاسمع ما يقوله عمران ابن حطّان رأس القعد من اصُّفريّة، وخطيبهم وشاعر هم، لما قتل أبو بلال مرداس بن أدية:
وحبا للخروج أبوابلال لقد زاد الحياة دليَ بغضا
و أرجو الموت تحت ذرا العوالي أحاذر أن أموت على فراشي
كحتف أبي بلال لم أبال ولو أني علمت بأن حتفي
لها والله رب البيت قال فمن يك همه الدنيا فإني
فهو ينبئنا عن ذات نفسه بأمور لا تزوير فيها: هو مبغض للحياة، كاره للعيش ـ وتللك سنة الله في الثائرين الخارجين، بتبرمون بالأوضاع، ويتميزون غيظا على الحكام وأصحاب السلطان، ويرون آفاق الدنيا كلها ظلاما في ظلام ـ وقد زادت الحياة إليه بغضا، وازدادت الثورة والخروج إلى قلبه حباً بقتل أبي بلال، فأصبح شغوفاً بالحرب تواقا إليها، متطلعاً للموت تحت دذرا العوالي، حذرا أن يموت على فراشه كما يموت الجبناء والضعفاء، متمنياً حتفاً كخف صاحبه يستريح به من هذه الدنيا التي اشتد بغضه لها، وتحرر ـ دون أكثر الناس ـ من سلطانها وأسرها.
واسمع ما يقوله أيضاً في هذا القتيل:
يا رب مرداس اجعلني كمرداس يا عين بكيّ لمرداس ومصرعه