/ صفحه 56/
بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثري من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه فسقي الكلب فشكر الله له فغفرله. قالوا: يا رسول الله وإن أنا في الهائم أجراً؟ قال: "في كل كبدٍ رطبة أجر".
من سيرة الصحابة:
وقد اقتدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيرته النبيلة في ارفق بالحيوانات وحماتيها من الظلم والعنف، فمن وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) دلي عامليه على الصدقات: (فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه، فإن أكثرها فله، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلط عليه ولا عنيف به، ولا تنفرن بهيمة ولا تفز عنها، ولا تسوءن صاحبها فيها … ولا توكل بها إلا ناصحاً شفيقاً، وأميناً حفيظاً غير معنف ولا مجحف، ولا ملغب ولا متعب. فإذا أخذ هال أمينك فأوعز إليه. ألا يحول بين ناقة وفصيلها، ولا يمصُر(1) لبنها فيضر ذلك بولدها، ولا يجهدنها ركوباً، وليعدل بين صوا حباتها في ذلك وبينها، وليرفه على اللاغب، وليستأن با لنَّقب والظالع(2)، وليوردها ما تمر به من الغدر، ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادِّ الطرق، وليرّحها في الساعات، وليميهلها عند النِّطاف(3) والأ عشاب… الخ(4).
ومن وصية أبي بكر إلى يزيد بن أبي سفيان: "إني موصيك بخصال : لا تغدر، ولا تمثل ، ولا تقتل هرماً ولا امرأة ولا وليداً. ولا تعقرن
ـــــــــــ
(1) المصر: حلب ما في الضرع جميعه.
(2) الظالع: الذي ظلع أي غمن في مشيه والنقب ذو النقب، وهو رقة خف البعير حتى تكاد الأرض تجرحه.
(3) النطاف: جمع نطفة، وهي الماء الصافي، والنظف: الدلو، وليلة نطوف يجبيء فيها المطر حتى الصباح، والناطف: السائل من المائعات.
(4) أعتقد لو كان الدكتور أحمد أمين بك قد اطلع على هذه الوصية الثمينة دون سواها من تعاليم الإسلام لما قال بأن حمايه الحيوان فكرة مانوية عند تعليقه على أبيات زياد الأعجم.