/ صفحه 425/
وأموالا وفيرة، واستدعى في يوم افتتاحه قدحا من شرابه فشربه وقال: "قد وقفت هذا على مثلى فمن دونى وجعلته وقفاً على المك والمملوك والجندى والأمير والكبير والصغير والحر والعبد والذكور والإناث" ثم يقول المقريزى إنه رتب فيه العقاقير والأطباء وسائر ما يحتاج إليه من به مرض من الأمراض، وجعل السلطان فيه فراشين من الرجال والنساء لخدمة المرضى وقرر لهم المعاليم، ونصب الأسرة للمرضى وفرشها بجميع الفرش المحتاج إليها في المرض، وأفرد لكل طائفة من المرضى موضعا: فجعل أواوين المارستان الأربعة للمرضى بالحميات ونحوها، وأفرد قاعة للرمدى وقاعة للجرحى وقاعة لمن به اسهال وقاعة للنساء، ومكاناً للمبرويدين ينقسم قسمين: قسما للرجال وقسما للنساء، وجعل الماء يجرى في جميع هذه الأماكن، وأفرد مكاناً لطبخ الطعام والأدوية والأشربة، ومكاناً لتركيب المعاجين والأكحال والشيافات ونحوها .. وجعل مكاناً تفرق فيه الأشربة والأدويه، ومكانا يجلس فيه رئيس الأطباء الإلقاء درس طب، ولم يخصص عدة المرضى بل جعله سبيلا لكل من يرد عليه من غنى وفقير، ولا حدد مدة لإقامة المريض، ورتب منه لمن هو مريض في داره سائر ما يحتاج إليه".
ويتضح من هذه العبارات أن الخدمات الاجتماعيه في مصر في العصور الوسطى ظفرت بتقدم كبير يرفع من شأن مصر في نظر المؤرخ الحديث، وأن الدستور الذي وضعه السلطان قلاوون لمارستانه يعطينا فكرة طيبة عن المساواة في الحقوق الاجتماعية بين مختلف الطبقات، ويظهر لنا بجلاء مدى فهم الدولة لواجبها نحو رعاياها عامة والمرضى خاصة، كما يدل على مبلغ التنظيم الإدارى الدقيق الذي امتازت به تلك الفترة من التاريخ المصري.
ومن المنشآت الغربية على الإسلام وأهله: الخوانك والأربطة، فلم يكن مألوفاً لدى المسلمين الأول إنشاء بيوت خاصة للعُبَّاد والمتزهدين، يحبسون فيها أنفسهم للصلاة الصيام فحسب. ويبدو أن تلك التنظيمات الحديثة على أهل الإسلام إنما هى أثر من آثار المسيحية بالشرق لأنها قريبة شبهه‌ بالأديرة، وإن كان ما أفاده العالم المسيحى من الأديرة أعظم بكثير مما أفاده العالم الإسلامى من الخوانك والأربطة، بل يمكن القول بأن المسلمين لم يفيدوا شيئاً البتة من تلك المنشآت.