/ صفحه 423/
والجدير بالملاحظة فيما رواه المقريزى عن تلك المدارس اهتمام غير الحكوميين بها وإنشاؤهم لها ابتغاء وجه الله وخدمة للعلم، كالمدرسة المسلمية التي أنشأها كبير التجار ناصر الدين محمد أبو مسلم المتوفى سنة 776هـ، ووقف عليها دوراً وأرضاً ومالا وفيراً، والمدرسة المهذبية التي أنشأها الطبيب مهذب الدين أبو سعيد ابن أبى حليقة طبيب الملك الكامل، والدرسة القطبية التي أنشأتها ابنة الملك العادل أبى بكر، والمدرسة العاشورية التي أنشأتها زوجة الأمير أياز كوج الأسدى ومدرسة زوجة الأمير سيف الدين يكجا الناصرى سنة 751هـ، ومدرسة ام السلطان شعبان سنة 771 هـ. ويبدو أن القاهرة أصابت من أهلها في ذلك الزمان خيراً مما تصيبه من أهلا الآن، إذلم يعد لكبار التجار أو مشاهير الأطباء أو فضليات النساء أو أهل الكسب الوفير في عصرنا الحاضر، غرام بما أغرم به أمثالهم من معاصرى المقريزى وسابقيهم.
على أن الأوقاف الكثيرة كفلت رزقا جاريا لطلاب العلم، من أشياخ وتلاميذ، وأنفق منها على ما يلزم المدارس من فرش وكتب وحاجيات أخرى، وعاش الناس في ظل تلك العمة الورافة للعلم وحدة، وكانت الثمرة الطيبة لكل ذلك، ما وصلنا من تراث حضارى ضخم لا يزال جيلنا يستفيد بما ظهر منه، ويكشف الغطاء عما بقى دفينا في دوره الكتب العالمية.
وكثيراً ما حدث أن حالت الظروف دون وصول معاليم الوقف إلى أصحابها إما بسبب القحط أو الأوبئة، وإما لأن المشرفين على حسيلة تلك الحبوس عتقدوا ـ ولو خطأ أنها تذهب أحيانا لمن لا يستحقها، وأن هذا يبرر في نظرهم المقاسمة فيها أو الاغارة عليها، وظفر شيوخ تلك المدارس بأكثر من نصيب من خيرات الأوقاف، فمنها ما حصلوا عليه اتميامهم بمهمة التدريس، ومنها ما أعطى لهم من أجل النظر عل المدرسة وأوقافها، ذلك عدا ما يصرف لهم من خبز وماء وغيره، أما صرف تلك الأرزاق فكان شهرياً في العادة.