/ صفحه 422/
وإن نشأة المدارس في وقت متقارب في أنحاء العالم الإسلامي، وارتحال أمثال الشهاب الطوسي، وابن سعدون القرطبي، والحافظ السلفي، والآمدى الأصولى والسخاوى النحوي، وتنقلهم بين العواصم الكبري، وقصدهم أشياخ العلم أو جلوسهم للتدريس، كل ذلك ساعد على أن تصطبغ الحياة الاجتماعية في العالم الإسلامى بلون واحد تقريباً.
وعلى قدر ما كان المقريزى صادقاً في تصوير محاسن عصره، ونقلها إلينا واضحة جلية؛ كان مخلصا في إعطائنا فكرة عن شرور ذلك العصر ومخازيه. لا تقل وضوحاً عن هذه، ولعله مؤمن ـ ولا إخاله إلا كذلك ـ بأن خير المورخين من نقل إليك صورة عصره، بخيرها وشرها، صادقاً في ذلك النقل، لأن فيه العبرة كل العبرة للخالفين، وأن خير كتب التاريخ، كتاب صور لك حياة الناس في حبهم وسخطهم، في صدقهم وكذبهم، في جدهم وهزلهم، في فرحهم وحزنهم، ولا غرو فالناس هم مادة التاريخ الأول الجديرة بكل اهتمام.
وسوف أستعرض هنا بعض المنشآت الاجتماعية التي ذكرها المقريزى في كتابه الخطط، وملاحظاته عليها.
قامت المساجد منذ نشأتها في مصر وغيرها بمهمة المدارس، وشهدت أروقة جاع عمرو وجامع ابن طولون حلقات الدرس من أمثال الشافعى والبويطى والمزني، ومحمد بن عبد الحكم، والربيع الجيزي، والقاضى بكّار. وغيرهم وغيرهم من أعلام الإسلام؛ فلما انتهى أمر مصر إلى الفاطميين، احتل الجامع الأزهر تلك المكانة، غير أن عناية الأساتذة اتجهت نحو تدريس الفقه الشيعي، إذْ أصبح المذهب الذي تدين به الدولة. ثم تغيرت الحال من بعد ذلك أيام الأيوبين والمماليك بإنشاء المدارس، وقيامها مقام المساجد في تعليم الناس وتثقيفهم. وشهدت مصر أولى مدارسها على يد صلاح الدين الأيوبي، الذي اقتبس هذا النظام مما شاهده بالعراق والشام،، وكانت العلوم الشرعية هى كل شيء في برنامج الدراسة، وكان الفقه في طليعيه تلك العلوم، وجرى صلاح الدين على عادة إعطاء مشيخة مدارسه إلى معتنقى مذهب الأشاعرة من أهل السنة، واستمر الاهتمام بالمدارس منذ ذلك الحين. وسارأفراد البيت الأيوبى والمماليك من بعدهم سيرة صلح الدين في إنشاء المدارس حتّى زاد عدد مدارس القارهرة على السبعين.