/ صفحه 416/
ولا يحل معع التنابز، هو خلاف معتاد يقع دائماً بين الإخوة على الوسائل الموصلة للهدف الذي ينشدونه، وهو واقع بين المذاهب الشيعية المختلفة. كما هو واقع بين المذاهب السنية المختلفة، فهناك خلاف بين الإمامية، وغير هم، وخلاف بين الإمامية "الاثنى عشرية" والزيدية، كما أن هناك خلافا بين أرباب هذه المذاهب كلُ في دائرته، وكدالك يوجد هذا الخلاف بين المذاهب السنية ـ القائم منها اليوم والمندثر ـ على أساليب تعقل الأوامر والنواهي، ودلالاتها ومفهوماتها وإيحائها، لا على صدق الأوامر والنواهى أو كذبها. ولهذا وجدنا الشيء الواحد يأخذ صفة الوجوب في مذهب، بينما يأخذ في غيره صفة الجواز أو الندب، أو الاستحسان، فكما أننا لم نسمع أن مذاهب السنة تختلف على الأصول، فنحن نعتقد أن الخلاف بين مذاهب الشيعة في جملتها كذلك ليس على الأصول.
ومن هذا الطراز ـ الختلاف الفهم وتعقل النصوص ـ الخلاف بين الشيعة وأهل السنة حول الإمامة! ويجب أن يكون كذلك ـ مادام الجميع يؤمنون بالأصول الكبرى التي تؤلف حقيقة الدين كما ينطق به القرآن صراحة، وهو هند الجميع واحد لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من مخلفه، وإذا كان هذا الخلاف بين الطائفتين الكبيرتين، يمائل الخلاف بين مذاهب كل منهما. يسمح المسلمون من الطرفين لخلاف طبعى على غير الأصول وجوهر الدين، أن يقطع بينهم أرحاما أمر الله أن توصل؟ وكيف يجعلون من مذاهب علمائهم في النظر أدياناً تفرق وحدة الأمة، وتلقى بها قطعاً ممزقة بين أيدى أعدائهم، أعداء الله ورسوله وكتابه الكريم؟؟
ثم ما ذنبنا اليوم. حتّى نحمل أوزار قطيعة دفع إليها جمود الفكر، والبعد عن روح الإسلام. بتحكيم الدنيا في الدين، وتفسير نصوصه الصحيحة ـ أو وضع نصوص باطللة مجاراة لذهواء رجال السياسة أو تقربا إلى الحاكمين، "ولا تزر وازرة وزرأخري"؟ لقد آن لنا أن نقوم بتصفية هذه التركة المثقلة بالمغارم، عن طريق التواصل والتراحم والتعاون على البر والتقوي، والتواصى بالحق، والتواصى بالصبر.