/ صفحه 394/
ثم لم يلبث أولئك الإخوان أن انتشروا في أنحاء إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وإنجليتر، بل أو غلوا في البلاد الإسلامية للتبشير، فقلقوا بين مراكش وتونس ووعظوا أخلاط العامة في موانى مصر والشام، ولقوامن بعض الجاليات والطوائف المسيحية بتلك البلاد أسوأ مما لقوا من المسلمين. وأراد القديس فرنسيس أن يسهم في هذه الحركة التبشيرية المبكرة، وأن يستعين بوجود الصليبيين في بعض تلك البلاد، أو أن يعينهم هو بلسانه وبيانه وإيمانه، ظنا منه أن المعسكرات الصليبية مجامع للتقوى والورع وخدمة الدين. ووصل فرنسيس إلى دمياط، فوجد طوائف الصليبيين بها على غير ما خالهم من الصلاه والحماسة الدينية، كما وجدهم مختلفين حول قبول عروض السلطان الكامل للجاء عن دمياط أو قبول مشروع الزحف من ديماط إلى القاهرة، تحقيقآً لفكرة القضاء على مركز المقاومة الإسلامية ضد الصليبيين في الشرق. ونصح فرنسيس بقبول عروض السلطان الكامل ولمسالمة حقنا للدماء فلم تلق نصيحته مجيبا، فرحل عن المعسكر الصليبى إلى أرطراف معسكر المسلمين. حيث قبض عليه الحرسية دون أن يبدى مقاومة، وهو يتكلم كلاما لم يفهم أحد منهم عنه شيئا سوى لفظ "السلطان" يريد بذلك أنه يرغب في المثول بين يدى الكامل محمد. وأخيراً وجد فرنسيس نفسه في حضرة الكامل وحاشية قليلة من قادته وتراجمته، فشرح سبب قدومه إليه، واستأذنه أن يعظه ويصف له المسيحية ويدعوه إليها، فإذن له واستمع في دماثة المتمكن من عقيدته المحترم لعقيدة غيره. ولم ينل فرنسيس في موعظته من النبى عليه الصلاة ولسالم، مثلما ينال أغلب المحدثين من المبشرين المسيحين حتى العصر الحاضر، بل القتصر على وصف المسيحية وفضائلها عنده، لا مكراً ولا مجاملة ولا استدراجا للسلطان الكامل كما ظن بعض المعاصرين، بل اعتقاداً منه ـ فيما يبدو ـ أن للأنبياء والرسل حق الحترام من الناس جميعا عى اختلاف دياناتهم، وأن الفضيلة ليست احتكاراً لدين دون غيره من الأديان.
وليس في هذا تحميل للقديس فرنسيس ما ليس من مستوى العصور الوسطي، فإنه لم يكن في هذه الناحية من نتاج تلك العصور وعقليتها الحرفية الجامدة، بدليل دعوته الصليبيين للسلم دون الحرب، وهو مالم يدعُ إليه وقتذاك إلا الأقلون من الجانبين، وبدليل قصده السلطان الكامل،
ولم يجادل القديس فرنسيس فيما قال، ولم يستدع أحدا من علمائه لمجادلته، بل الكتفى بالمبالغة في إكرامه. واكتفى القديس فرنسيس بدوره بالإمعان في إطراء السلطان، بعد أن أوصاه بحسن معاملة الأسرى من الصليبيين، وبعد أن طلب إليه إعطاء الإخوان الفرنسسكانيين سدانة كنيسة القيامة ببيت المقدس. ثم الستأذن فرنسيس