/ صفحه 371/
بما يحفظ تماسكه، ويصون تلاحمه، حتّى يؤدى مهمته العالمية، فقام بما عهد إليه على أكمل وجه، ونحن في هذه العجالة نأتى على تعض ماكان يسنه لأمته مما يحفظ مجتمعهم من التصدع، وما يجعله يقاوم الأحداث المحللة لأقوى الروابط الاجمتماعية، وأحكم الوشائج القومية. وقد أثبت التاريخ أنه نجح في ذلك نجاحاً باهرا، فقد مرت على جماعة المسلمين أحداث تعتبر غاية في الخطورة وإثارة النفوس، كوفاة النبى (صلى الله عليه وسلم)، وضرورة تعيين من يخلفه على زعامة الأمة، وارتداد كثير من قبائل العرب، والثورة على عثمان بن عفان، واستبداد معاوية بالشام، وتصميم علي بن أبى طالب على إسقاطه، وقتل أمير المؤمنين على، وتفرد معاوية بالسلطان المطلق، وخلافة ابنه يزيد من بعده؛ وكلها أحداث من الخطورة بمكان بعيد، فقد كان بعضها يكفى لأن يقسم أمة عريقة في الاجتماع إلى أحزاب وشبع يقاتل بعضها بعضا، ويريق بعضها دماء بعض، فما ظنك بأمة قريبة العهد بالجتماع، كانت لاتزال تغرة الجاهلية تطن في أذانها؟ أفلا ترى أن تمسكها بالوحدة الاجتماعية مع توالى هذه المحللات عليها، وعملَها المتواتر على عدم التصدع والانهيار، يدلان دلالة لقطعة على أن هذا الاجتماع الفذى الذي أوجده الإسلام، كان أقوى اجتماع شهده العالم منذ تلفت المجتمعات إلى ذلك العهد، بل إلى عهدنا هذا؟ فإن اختلاف الجماعات المتمدنة في المذاهب السياسية والاقتصادية جعل من بعضها أعداء لبعض حتى قاتل بعضها بعضاً وسقطت دولهم إلى الأبد.
قلنا قد وكل الحق جل وعزّ إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) أن يرب هذا الاجتماع ويقيه التصدع، فكان في أداء مهمته من الحكمة وبعد النظر والحيطة من أدواء المجتمعات، اجتماعياً حكيما بزَّ جميع أراكين هذا العلم، وتفوق عليهم تفوقاً لاوجه للتردد فيه.أدرك محمد (صلى الله عليه وسلم) أن الإصلاح الذي أراده الله للعالم لا يقوم إلا بواسطة أمة تصدق في القيام به، وتنشره في آفاق الأرض، ولو كانت تبقى منزوية في حيزها فلا يمكن أن تؤدى مهمتها العالمية،
فصرح بذلك في قوله: "الإسلام