/ صفحه 366/
العالم ومصيره، وأنه مسير بقوة عظيمة هى قوة خالقه، وأنه سيحاسب الإنسان في الآخرة على ما قدمت يداة في دنياه وهذه الصورة مركزة في ذهن الشرقي، وموروثة له أباً عن جد، فهو في أشد أوقات النعيم في الدنيا يشعر بحافز يحفزه إلى أن يسأل ما عاقبةً هذه اللذة بعد المؤت؟ وهل أثاب عليها أو أعاقب؟ وماذا سيكون موقفى أمام الله إذا سألنى عنها؟ وهكذا وهو يبنى أخلاقه على أساس الدين، ويبنى أعماله على أساس القلب، ولهذه الطبيعة الشرقية والاستعداد الفطرى الخاص كان الشرق منبع النبوات والفلسفة الإشراقية ومذاهب المتصوفة، وإطالة التأمل، ونحو ذلك من مظاهر الحياة الروحية، فإن ظهرت نفحات من ذلك في الغرب فمصدرها غالباً الشرق، واليهودية والنصرانية والاسلام والتصوف في الغرب ليس إلا موجة من موجات الشرق.
يكاد يكون لشرقيين عنصر خاص ينقص غيرهم، وهو الإحساس الدينى العميق الذي يلازمهم حتّى في أوقات خروجهم عن الدين، ولذلك كثيراً ما يعقب المعصية تنبه الضمير الديني، والمبالغة في التوبة والندم، إنهم يؤمنون في كل حركاتهم وسكناتهم وتصرفاتهم بإله يسيرهم وقدر يتحكم فيهم.
قد يأتى على الشرق زمن تفسد فيه عقيدته ويسوء تصرفة، وتنحط مشاعرة، فتصدر عنه أعمال خسيسة لا تصدر عنه الغرب المادي، ولكن هل يصح أن نعدّ هذا العارض إفسادا للذاتية وفقداً للخاصية، أو نعده حاسة أصيبت بآفة مع الرجاء في شفائها، أو جسما أصابه المرض وفيه حصانة تبشر بالشفاء، لو حكمنا بالظاهر لقلنا إن مادية سليمة تخضع للعقل وتنجح في الحياة، وتسيطر على العالم خير من روحانية فسدت، ومباديء قومية تعفنت، ولكن ليس هذا إنصافا في الحكم، فما نتيجة هذه المادية الناجحة؟ إنها مدنية روّعت العالم، وجعلته على بركان يوشك أن ينفجر، وهو كل يوم في اختراع جديد يهدد العالم بالفناء، فما قيمة القوة إذا كانت محطّمة، وما قيمة القصر المزوّق إذا ساد سكانه الفزع، ولو أنك سألت أسرة أوروبية هل تفضل أن تعيش عيشة بذخ وترف وتفقد أبناءها في الحروب، أو تعيش عيشة وسطا ولا يهلك أحد منها في حرب، فما الذي كانت