/ صفحه 367/
تفضل؟ إنى لفى شك من قيمة المدنية الغربية إذا نحن قسنا ما أنتجته للعالم من شرور بما انتجته للعالم من خيرات. فما قيمة آلات وأدوات ومخرعات بجانب أرواح تحصد، وطمأنينة تفقد، واستغلالِ قليل من الناس للكثرة الغالبة من العالم يرهقونهم ويسومونهم سوء العذاب، ذلك لأنهم قالوا: "إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت وحيا وما نحن بمبعوثين".
ولو آمنوا بالبعث وضموا إلى دنياهم آخرتهم، وقدروا أنهم سيقفون أمام الله يسألهم عن أعمالهم، لكانت المدنية غير المدنية، ولكانت مدنية مادية روحانية معاً، وهذا ما ينقصها ولا يصلح العالم إلا بها، وإذ ذاك يكمل الغرب نقصه فيزيد في روحانيته، ويكمل الشرق نقصه فيزيد في ماديته، ويسير الركبان جنباً إلى جنب لخير العالم وإسعاده.
ما الغاية لهذا العالم؟ ماسرا الحياة؟ لماذا نعيش، ولماذا نموت؟ ما موقفنا بعد الموت؟
كل هذه ونحوها من عشرات الأسئلة لا يستطيع العلم أن يجيب فيها إذ ليست من الأمور المادية، وأشباهها التي تدخل في اختصاص العلم، إنما هى من الروحانيات التي لا يستطيع الإجابة عنها إلا الدين.
لقد بلغ العلم ذروتة في المدنية الغربية، ولكنه لم يفعل أكثر من تحسين وسالئل الحياة، أما صبغ الحياة لتتفق مع الغاية التي يجب أن تنشد، فوظيفة الدين، فلما اقتصرت المدنية الحديثة على الوسائل دون الغايات، ضلت السبيل، ووقعت في الحيرة واضطراب، وسببت هذا الشقاء المفضض بالنعيم.
وخالق العالم خلقه مادة وروحا، فكان من الطبيعى ألا يسعد إلا إذا غذى العنصران، واكتمل المنهجان؟