/ صفحه 365/
وإن كانت روحانية الشرق عبادة وصلاة وصياما ونحو ذلك، فما قيمتها إذا لم تؤثر في عمل المؤمن؟ ما قيمة صلاة يتبعها سلب ونهب؟ وما قيمة صيام لا يمنع صاحبه من جشع وطمع؟ إن العبادة إذا كانت على هذا النحو كانت حركات ميكانيكية، أو ألعابا بهلوانية، وكانت هى والعدم سواء.
ولكن يظهر لى رغم كل ذلك، أن للشرق روحانية ليست للغرب، وأن من الواجب إذا نظرنا للشرق، ألا ننظر إليه فقط في عصر تدهوره وانحطاطه، وألا ننظر إليه في شكله الأخير الذي ساء، بل في جوهره الحقيقي، وقيمته الذاتية، ونعاليمه ومبادئه غير مقيدة بعصر، ولا مرتبطة بزمن.
إن الغرب من غير شك يحيا حياة مادية بحتة، بعمنى أن حياته حياة عمل في مصنع أو شركة أو وظيفة يحسب المادى فقط من مرتب وأجر، وكيف يناله على خير وجه، وكيف ينفقه على خير وجه، وكيف ينعم بهذه الحياة، وكيف يكسب خير كسب، وينفقه خير إنفاق، وكيف يعيش في أسرته، وكيف يحظى بالنّعيم المادى الخ ... وكل الأخلاق الحسنة المرسومة له أخلاق تجارية، تعلمه كيف ينجح في التجارة، وكيف ينجح في العلم، وكيف يسعد في الحياة، ولذلك كان أهم قوائهم الفضائل عنده المحافظة على المواعيد، والنظام، والترتيب، والصدق في القول والعمل الخ، والذي يسيطر على هذه الحياة ويرس خططها، ويخترع آلاتها، هو العلم، نتيجة العقل والقضايا المنطقية، وهى أمور كذلك مادية بالمعنى الواسع.
أما الشرق فعماده قديماً وحديثاً القلب لا العقل، فان كان ولا بد فالقلب أولا ولعقل ثانياً: هو يدخل في حسابه دائماً الحياة الآخرة بعد الموت، ويضمها دائما إلى حساب الدينا، وهو دائماً يتساءل هل هذه الأعمال يكافيء الله عليها في الآخرة بالثواب أو العقاب.
وأخلاقه التي يسير عليها مبنية على حساب هذه الآخرة أيضاً، وهو كثير السؤال عن غاية هذا