/ صفحه 360/
تاريخها وتقاليدها، وتغمر نفسها في حياة ليس متفقة مع هذا التاريخ وهذه التقاليد، فإنها تكون أمة مقلدة أو مسوقة، سواء أشعرت بذلك أم لم تشعر، وقد كانت سياسة المتلين ـ كما هو الشأن فيهم دائما ـ أن يباعدوا بيننا وبين ترثنا الفكري، وتاريخنا العلمى القومي، من حيث كوننا أما إسلامية، فكانت مناهج التعليم توضع لتخريج موظفين، وكانت الأمة محرومة من الدراسة العميقة المتصلة بهذه الناحية إلا قليلا، بل كانت محرومة حتّى من تعليم أبنائها أوليات الأحكام الشرعيه والعقائد التي يقوم عليها الدين، فما كان يدرس فيها إلا بعضى ما يتصل بالآداب والأخلاق ومباديء العبادات، كان هذا منطق الاحتلال والمحتلين ومن يجرى في دائرتهم من المشرفين على التعليم، ولكن هذه السياسة مع الأسف الشيد بقيت في مصر، ولم تجد من القائمين بوزراه المعارف في عهد ما تحمسا لتبديلها والتخلص منها، وإهداء الأمة أسساً أخرى تبنى عليها تعليمها وتثقيفها باعتبارها أمة حرة لها تقاليد، ولها ماض في العلم والرأي، لها فكرة وشخصية
وكلما نادى مناد بهذا حسبوه متعصباً للدين أو اللغة، أو حريصاً على إيجاد متنفَّس لخريجى الأزهر، مع أن الأمر ـ وإن كان ذلك بعضَ بواعثه أحيانا أجلُّ من أن ننظر إليه هذه النظرة.
نحن أمة تريد أن تكوِّن جيلا مؤمناً بنفسه، قويا بدينه وخلقه، متصل القلب بماضية، مشبوب العاطفة بمفاخره، فإن ذلك هو الأساس الطبيعى الذي تقوم عليه أمة من الأمم، أو هو على الأقل ركن هام في هذا الأساس، وإننا تقوم عليه أمة من الأمم، أو هو على الأقل ركن هام في هذا الأساس، وإننا لنشهد في عصرنا الحاضر جميع الأمم الأوربية تتمسح في التاريخ اللاتيني، وتتشبث بثقافاتها القديمة، فإذا لم يكن لأحدها حظ منها، حاولت أن تزعمه منحدراً اليها عن عمومة أو خؤولة، بل أقول: إننا نشهد الآن أفكاراً ومباديء في السياسة والحكم والنظام تحترب وتتجادل في عنف وقوة لتفرض نفسها على العالم، فما بالنا نحن وأفكارنا أصيلة عريقة نعرض عنها، ونتخلى عن احتضانها، ونذوب في غيرها؟
أنا لا أدعو وزراة المعارف إلى اقتباس المنهاج الأزهرى لمدارسها البتدائيه أو الثانوية، ولكنى