/ صفحه 36/
الأدبي من الذين اتخذوا لأنفسهم من الفلسفة التشاؤمية خطة خاصة من التفكير المعاكس، عرفوا به بين الناس، وهم قلة لا يعتد بها حتى قد لا تصادف منهم في كل مليون من الناس واحدا.
هذا النور الساطع من الحقائق الحكمية، المنتشر في جو العقلية البشرية، هو الحكمة التي يتردد ذكرها على السنة العلماء والفلاسفة من أقدام العصور وجاء ذكرها في الكتاب الكريم، وهي بهذا الاعتبار تخاف الفلسفة خلافا جوهريا، لأن هذه على هي المذهب الذي يتخذه المشتغلون بفهم حقائق الوجود، وسيلة لإدراك تلك الحقائق، وكيفية انطباقها وتطبيقها على الموجودات، وعلى سيره الإنسان ومحاولاته، لبلوغ المثل العليا في سلوكه وفي أعماله، ومن أجل ذلك تعددت وجهات نظر الفلاسفة، وتخالفت ثمرات جهودهم إلى حدود بعيدة، ومن هذه الناحية خالفت الفلسفة، العلم أيضاً، فالعلم هو مجموع المعارف التي حصل عليها الإنسان بالنظر والاستقراء والتحليل والتركيب، فهو مجموعة محققة من العلم بالكون والكونيات ذات حدود مقررة، فأين الفلسفة من هذه الاستقرار، وهي لتصديها لفهم الوجود، وإدراك العلل الأولية التي تبنيه وتهدمه، وفي اللانهاية المحيطة بالعالم، وتعيين علاقاتنا بها جريا وراء بناء مذهب عقلي يربط ما يقع تحت حسنا من الكائنات المختلفة، ويعين لكل منها مكانه ومهمته من المجموعة العامة بحيث توافق الحقيقة ولا تشذ عنها، قلنا أين الفلسفة من هذا الاستقرار، وقد انقسم القائمون بها إلى مذاهب وشيع، إلا الفلسفة الحسية فانها بعد قبولها ما لا يثبت ثبوتا علمياً من الأصول قد قنيت في العلم، وزالت عنها صيغة الفلسفة.
ولكن الحكمة لا تنتهي قط إلى مثل هذه النهاية، لأنها لا تحاول فهم الوجود فهما عليما، بل هي تكتفي بتحديد علاقتنا به تحديداً يقره العقل العلمي، والناموس الأدبي، وتجعل دائرة عملها محصورة في دائرة شئوننا الحيوية، وسيرتنا الاجتماعية وهذه مجالات يمكن الوصول منها إني المثل العليا التي ترقي بالإنسانية إلى أبعد