/ صفحه 37/
ما يكمن أن تصل إليه علمياً وعملياً. وأرفع ما يتأتي أن تسمو إليه جسدياً وروحيا، وهي التي يعنيها العلماء بكلمة الحكمة، ويشرفها الخالق بالتنويه بها في كتبه المساوية.
وقد أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسمو فطرته حقيقة ما قصد الخالق منها على الوجه الأكمل، وفهم مدلولها فهما أداه إلى الدعوة إليها، والتنويه بها تنويها يشف عن سمو تقديره لها، ومبلغ ما تستفيده الإنسانية منها؛ فقال: "الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أني وجدها" الضالة من الإبل ما انقطعت عن صاحبها بمضيعة فهو يتطلبها جهده، لأنها مطيته التي لا يستطيع قطع طريقه بدونها، شبه الله الحكمة في ضرورتها للإنسان يقطع بها طريقه إلى حضرته العلية، بالضالة، وهذا تشبيه بديع يؤذن بأن الحكمة من ضروريات المؤمن بحيث قد يهلك بدونها، كما قد يهلك سالك الفلوات بدون ناقته التي يقطعها بها، وما أدى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذا التعبير البديع إلا ما أمده الله به من سمو الإدراك، وبعد هدى النظر في الحقائق، وفهمه لمهمة الإنسان في هذه الحياة الدنيا.
وقد زاد هذا التحضيض لالتقاط الحكمة أني كانت، بوجه من التعبير يدعو إلى غاية الاهتمام بالحكمة، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "خذ الحكمة ولا يضرك من أي وعاء خرجت" فقد يكون قائلها سفيها أو زنديقا أو وثنيا أو ملحدا، فيتأثم المسلم أن يأخذها عنه، فتدارك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الأمر، وحض على المبادرة إلى التقاط الحكمة، بصرف النظر عن الإنسان الذي صدرت عنه، ولو كان مثالا للخسة، ومباءة للدنس، ومباءة للدنس، وفي رواية أخرى: "خذ الحكمة ولو من مشرك" وهذا نهاية ما يمكن أن يبلغه التحضيض على تصيد الحكمة من كل مظانها، ولا يعقل أن يبلغ الداعي إليها هذا الحد من التعبير إلا إذا كان على أصل أصيل من فهم الحقائق، وطريق الوصول إليها؟