/ صفحه 346/
السبب الحقيقى في الانصراف عن الحق، والإعراض عن دعوة¬ محمد (صلى الله عليه وسلم) قد ركزته السورة على بيان حقيقة ما أنعم الله به على الناس من النعم المادية، وإنه ليس إلا متاعا من متاع هذه الحياة، وأن الاعتماد عليه وحده، وتسخير الحياة في سبيله، لا يغنى من الحق شيئا، وأن ماعند الله خير وأبقي، وذلك هو قوله تعالى: "إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، وأولئك هم وقود النار" وقوله: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسَّومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب".
بدأت السورة بهذا وذاك، وركزتهما على ما ذكرناه من الآيات، وأخذت تؤيدهما بالإرشادات والمثل الواقعية فيما يروْن وفيما يروى لهم من عبر الأولين، وكان من ذلك أن ضربت مثلين من حوادث المؤمنين في عهد الرسالة، لمسوافيهما أن النصر والسعادة ليسا منوطين فقط بكثر ة الأموال، ولا بقوة العدد، ولان بوفرة العَدد، وإنما هما منوطان بعد ذلك أو قبل ذلك، بالصدق في الإيمان، والقيام بالحق، والاخلاص في العمل، والاحتفاظ بالوحدة، والصبر على المكاره.
هذان المثلان هما ما كان من نصر المؤمنين ببدر مع قلة المال والرجال والعدد، وما أصابهم في غزوة أحد بالتنازع والفشل والطمع في مظاهر الحياة الدنيا: "و لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة، فاتقوا الله لعلكم تشكرون". "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمرو عصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم، ولقد عفا عنكم، والله ذو فضل عل المؤمنين".
وكان من ذلك أنها أجملت عبر الأولين في قوله تعالى: "كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب" وفى قوله: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين.
وفى هذا الجو الذي هيأته السورة، وبعثت به استعداد المؤمنين للسمع والطاعة، وسلوك