/ صفحه 333/
كل هذا يحدث في البلاد، ويعمل عمله المتواصل في أخلاقنا وتقاليدنا حتى اشتد الخطب، وجل الأمر، وأصبح في حاجة إلى علاج سريع.
يا صاحب المقام الرفيع:
لقد أورثتنا المدنية الأوربية، وما وفد علينا من وافدات الرذيلة والإباحية، وما غُزينا به في أخلاقنا وتقاليدنا الكريمة ـ أورثنا كل ذلك ــ عرفاً فاسداً، وذوقاً مريضاً، ومجتمعاً صار ينظر إلى هذه المفاسد نظرته إلى شيء مألوف، فلا يكاد ينكرها فضلا عن أن يغيرها، بل أصبح يراها ـ إلا قليلا ممن عصم الله ـ آية من آيات التقدم وعلامة على النهوض والراقي، ورضيت بها القوانين، بل حمتها ونظمتها، وَجَبت من كسبها الحرام الضرائب والرسوم، كما تجبيها من الاعمال المشروعة والمكاسب الشريفة.
ألا وإن أكبر الفساد بعد الوقوع في الفساد، أن يُرى الغى فيه رشاداُ، والضلال هدى، فإنه حينئذ دليل على تأصل جراثميه وتمكنها من القلوب، وصيرورة الأمة إلى الزمان الذي يُرى فيه المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والقبيح حسناً والحسن قبيحاً.
وإن لنا في بعض الأمم الحاضرة لعبرة إذ أفسدها الترف، وفتَّ في عضدها الانحلال، فسقطت يوم الجهاد أمام أعدائها، ولم تطق صبر على ما أصابها من بأسهم وقوة شكيمتهم، وقد نادى بذللك قادتها وولاة أمرها، ولكن بعد فوات الاوان، وتلاوموا عليه، ولكن بعد أن فاتتهم الفرصة فأصبحوا على مافعلوا نادمين.
وقد جعلكم الله ـ يا صحب المقام الرفيع ـ على رأس حكومة الشعب الحريصة على تقوى أمره وبث دعائم الإصلاح فيه؛ وفى ترايخكم الحافل مواقف مشهودة، تدل على ما فطركم الله عليه من حب الدين والفضيلة؛ والجالس على عشر مصر ملك عظيم يحمل بين جنبيه نفساً كريمة ويؤمن بالله وكلماته، ويعمل على إنشاء أمته نشاأة صالحة قوية، عمادها الخلق، وقوامها الصلاح والاستقامة، ويرجو لها من صميم قلبه، منزلة من العزة والسمو، تعود بها إلى سالف