/ صفحه 332/
يعتدون،‌كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون". "فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين، وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون".
وكما أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب على البلاغ والبيان، أخذ ميثاق أهل الحكم والسلطان أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأن يحكموا بين الناس بالعدل، ويقيموا حدود ما أنزل الله على رسوله، ويكونوا في شعوبهم قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، يرتادون لهم الطيبات، ويذودونهم عن مواقع الهلكة، ويحمونهم كل شر، ويقوودونهم إلى كل خير.
وإن الناظر في حال أمتنا العزيزة، وما آل إليه أمر الدين والخلق فيها، ليهوله ما يري، ويأخذه كثير من الحزن على حاضرها الذي صارت إليه، ويخالجه كثير من الإشفاق على مستقبلها الذي هى مقبلة عليه؛ فقد استهان الناس بأوامر الدين ونواهيه، وجنحوا إلى ما يخالف تقاليد الإسلام، ودخل على كثير منهم مالم يكن يعهد من أخلاق الإباحية والتحلل، جرياً وراء المدنية الزائفة، واغتراراً ببريقها الخادع، وكثرت عوامل الإفساد والإغراء في البلاد، ولا سيما أمام ناشئتها وفتيانها المرجوِّين للنهوض بها والأخذ بيدها في حاضرها ومستقبلها، فمن حفلات ماجنة خليعة، يختلط فيها النساء بالرجال على صورة متهتكة جرئة، تشرب فيها الخمر، ويرتكب فيها ما ينافى المروءه والخلق الكريم. إلى أندية يباح فيها القمار، ويسكب على موائدها الذهب النضار، وتبتز فيها الأموال، وتزلزل بسببها البيوت والكرامات، إلى ملاعب للسباق والمراهنات تنطوى على ألوان من الفساد وإضاعة المال، إلى مسابقات للجمال، إنما هى معارض للفسوق والإثم، يرتكب فيها ما يندى له جبين الدين والخلق والمروءة، ويباح فيها من المحرمات أكبرها وأخطرها، إلى شواطيء في الصيف يخلع فيها العذار ويطغى فيها الأشرار، إلى أخبار ذلك تذكر وتنشر وتوصف وتصور وتستثار بها كوامن الشهوات والغرائز في غير تورع ولا حياء، إلى كثير من ألوان المنكرات وفنون الموبقات.