/ صفحه 322/
ملتزماً لكل معروف يأمر به، بعيداً عن كل شرمنكر ينهى الناس عنه "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب. أفلا تعقلون" وهذه السلطة هى حجر الزاوية في هذا التضامن، وهى بحق ـ كما يقول المغفور له الإمام الشيخ محمد عبده: (1) إنها السلطة الوحيدة التي جعلها الإسلام الأدنى المسلمين، يقرع بها أنف أعلاهم، ولو باشرها مسلمو اليوم كما باشرها أسلافهم القدامى لتحقق لهم ما يصبون إليه من وحدة وعزة وحب وسلام.
ولقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه وخلفاؤه مثلا عالياً في الاستماع إلى الناصحين والمشيرين، فالنبى عليه الصلاة والسلام ينزل على نصح الحباب بن المنذر في معركة بدر، وعلى نصح سعد بن معاذ يوم الأحزاب، وغير ذلك مما هو معروف في مواطنه، وعمر يقول: مرحباً بالناصح غدواً وعشياً أبدا الدهر، ويأمر المؤمنين ألا يتقيدوا بوقت، وألا يتحرجوا من نصحه في أى موطن وفى أى مكان في المسجد أو المنزل في الليل أو في النهار، في مجلس أو في طريق، ولقد كان المسلمون يرون النصح واحباً شرعياً، حتى إن أحدهم ليلقى عمر في بعض شوارع المدينة، فيناديه: والله إنك لماأخوذ بعمالك ياعمر! فيقول: ويحك ما هذا؟ فيقول الرجل؛ إن عاملك عياض بن غنم يأكل الطيب، ويلبس اللين، ويركب الفاره! فيقول عمر: ويلك! أواشٍ أنت؟ فيقول: بل ناصح مؤدِ ماعليه؛ ويقول عثمان بن عفان: والله لو رّدنى النصح عبداً لا سننت بسنة العبيد، ومنهج علي بن أبى طالب في النصح والتناصح معروف لكل إنسان، ولكبار علماء الصحابة والتابعين في ذلك مواقف مشهورة مشكروة مع الأمراء في كاف ة العصور. حيث كان للمسلمين ذمة ودولة وعزة.
الإسلام ونظرته إلى الحكم:
لعل الإسلام أول من قرر أن الحكم خدمة عامه للمحكومين، وأول من ربط مسائل الاجتماع

ـــــــــــ
(1) الإسلام والنصرانية، ص 66 ـ 60.