/ صفحه 32/
وإما رابعا: فأنن الإقدام على القول بالنسخ في القرآن، لمجرد شبهة قويت أو ضعفت، إقدام على ما يتنافي مع ما يجب أن يتوفر للقرآن باعتباره قانون السماء الخالد لصلاح المجتمع وسعادة الأمم، وباعتباره متعبدا بتلاوته مما يوجب أن يكون باقي الدلالة على معانيه.
وإذن فليس من الواضح أن تحمل الآيتان على المعنى الذي حملها عليه المسفرون، لما تبين من أن هذا الحمل لا يتفق وبلاغة القرآن، وكونه الكتاب الخالد، والقانون الدائم.
***
أما المعنى الذي ينبغي آن تحملا عليه فهو ذلك الذي زعموه ضعيفا، وساقوه تحت صيغة التمريض، وهو: "أن الآية الأولى في جريمة النساء الصرف، والثانية في جريمة الذكور الصرف".
وذلك لوجوه:
أما أولا: فلما مر من وجه الرد للمعنى الذي اعتمد المفسرون.
وأما ثانيا: فإن الآيتين إنما يتم تناسبهما مع ما قبلهما من آيات الميراث بحملها على جريمة النساء الصرف والذكور الصرف (السحاق واللواط ) ولا يتم بحملهما على الزنا، إذ أن آيات الميراث السابقة على هاتين الآيتين قد طمأنت الناس على ما يتركون من أموال وراءهم بعد موتهم، طمأنتهم بأن ما يتركونه سيئول إلى أبنائهم وبناتهم وآبائهم وأمهاتهم وأخواتهم وإخوانهم، وأنه لا أبوة ولا بنوة ولا أمومة ولا أخوة إلا عن طريق اجتماع الجنسين، أما هاتان الفاحشتان فهما مضيعة للرجال والنساء، ليس معهما أبوة ولا بنوة ولا أمومة ولا أخوة، ليس معهما هذا إن لم يكن لسقوط الرجال والنساء بتلك الجريمة عن أن يقبل الرجال الزواج بالسحاقات وأن يقبل النساء الزواج باللواطين؛ فعن طريق أن المرأة قد تستغني بذلك عن الزواج كما يستغني الرجل بذلك عن الزواج،‌ وإنه لواضح أن من أشد الموانع وأبرزها لاقتران رجل بامرأة أو امرأة برجل أن