/ صفحه 31/
وأما ثانيا: فإنه قد غاير بين العقوبتين، العقوبة التي رتبها على الفاحشة التي كانت من "اللاتي " وهن النساء الصرف، والعقوبة التي رتبها على الفاحشة التي كانت من "اللذان" وهما الرجلان وقد وضع الآيتين إحداهما بجانب الأخرى مما هو واضح في تغاير الجريمتين ماهية‌و مصدرا، ومما هو واضح في أنهما جريمتان غير جريمة الزنا قد ذكرت في القرآن غير مرة فلم يعبر عنها إلا باسمها، يقول الله (لا تقربوا الزنا) (الزانية والزاني ) وذكر لها عقوبة غير هاتين العقوبتين
أما في هاتين الآيتين فإنه لم يذكر تلك الجريمة بل عبر عن الجريمتين بلفظ عام يشملهما وغير هما، وهو لفظ الفاحشة إيذانا بزيادة هاتين الفاحشتين في القبح عن فاحشة الزنا، وإيذانا بأنهما فاحشتان يجب أن يصان اللسان عن أن يمر به ذكر هما.
وأما ثالثا: فإن الآية الأولى إذا كان الأمر كما يقولون، وأن المذكور فيها عقوبة الزانيات وآن الآية الثانية جارية على باب التغليب، يكون قد ذكر في الآية الثانية عقوبة للزانيات غي رما ذكر في الأولى، وكان يجب ألا تذكر الآية الأولى مادامت قد أريد بها الزانية والزاني. وأما دفع ذلك بأن الآية الأولى قد نسخت الآية الثانية فذلك دفع غير صحيح، إذ أن الناسخ والمنسوخ - على فرض تبوت النسخ في القرآن - ليس بالمستساغ أن يذكرا مقترنين هكذا وتعجب فوق ذلك من إن الناسخ قد ذكر أولا والمنسوخ قد ذكر ثانيا، ففوق اقترانهما قد جعلوا المنسوخ ثانيا والناسخ أولا. وإلى هذا وذاك يقولون إن الناسخ أيضاً منسوخ بآية (الزانية والزاني) وهكذا ترى اضطرابا للمفسرين واضحا ليس له من سبب، إلا إنهم حملوا الفاحشة في الآيتين على فاحشْة الزنا.
وقصارى للقول إنك كلما أمعنت النظر وآنت بعقيدة ان القرآن في طبقة من البلاغة‌ معجزة؛ رأيت أن حمل هاتين الآيتين على الزنا مما يبعد بهما عما يجب للقرآن من بلاغة معجزة.