/ صفحه 315/
إلى الأهواء، وسعى بعض الرؤساء والقضاة إليه بالتخليط، حتى أدى ذلك إلى رفع المجالس، وتفرق شمل الأصحاب … حتى طلع صبح كالنوبة المباركة، دولة السلطان ألب أرسلان في سنة خمس وخمسين واربعماءة، فبقى عشر سنين في آخر عمره مرفها محترما مطاعا معظما"(1).
وقد ذكر مثل هذا في ترجمة إمام الحرمين عبدالملك الجويني، كما ذكر مثله في ترجمة أبى سهل بن الموفق.
وقد أعان نظامَ الملك على دعوته ما عرف عنه من الصلاح والتدين وحب العلماء، فقد كان يقدمهم ويقف إجلالا لهم، وربما تنازل عن مسنده إكراماً لبعضهم، كما كان يفعل إذا قدم عليه إمام الحرمين أو القشيرى أو الفارْقذى الواعظ، وكان إذا سمع الأذان أمسك عن جميع ما هو فيه، وكانت له فوق ذلك ميول صوفية، ووقائع أحوال تدل على هذه النزعة.
وعرف العلماءُ والفقهاء رغبته في التقريب، وحبه لطرح الخلاف، ونبذ التعصب، فجروا في مضماره، وتقربوا إليه بما يجب، وقد روى التاريخ لنا في ذلك حكاية طريفة، هى أن عبد السلام بن محمد بن يوسف القزوينى شيخ المعتزلة، دخل عليه يوما، وكان عنده أبو محمد التميمي، ورجل آخر أشعري، فقاله له القزوين: أيها الصدر، لقد اجتمع عندك رءوس أهل النار، قال نظام الملك: وكيف ذلك؟ قال: أنا معتزلي، وهذا مشبِّه ـ يعنى التميمى ـ وذلك أشعري، وبعضنا يكفر بعضا! فضحك النظام(2).
والمغزى من هذه الواقعة أن العلماء وصلوا إلى حد التفكه بأخبار الخلاف في مجلسه، وأخرجوا الأمر فيه مخرج المزح والدعابة، وشتان بين هذا وما كان من قبل من عنف وحدة وقطيعة.
وقد استعان نظام الملك على دعوته أيضاً بوسيلة نعتبرها حديثة في خدمة المبادي، والدعوة

ـــــــــــ
ص 254، ج 3، من طبقات الشافعية الكبرى طبعة المطبعة الحسينية المصرية سنة 1324هـ.
(2) النجوم الزاهرة، ص 156، ج 5، طبع دار الكتب المصرية سنة 1353 هـ.