/ صفحه 312/
وكذلك ـ لعمر الحق ـ كان أبوالحسن، فإنه لمن الراشدين الموفقين الذين أدَّواالأمانة، ونصحوا لله ورسوله وللمسلمين، وعاشوا لله، وما توا في سبيل الله، ولم تأخذهم الدنيا ببريقها الخادع، وسرابها اللامع، وما كان ابن أبى طالب بغرّ يجهل أفانين السياسة، ولا بنكْس يضعف عن تحمل التبعات، ولو شاء لكان مّلِكا جباراً يبطش بأهل عداوته، ويتلطف لأهله وخاصته، ولكنه آثر الله، وابتغى ما عنده، فكان لدينه وأمته، ولم يكن لمُلكه ودولته.
وهذا ضِرار الصُّدائى يصفه في مجلس معاوية فيقول "كان والله بعيد المدَي، شديد القوُي،، يقول فصلا، ويحكم عدلا. يتفجر العالم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحية، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلْبُ كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس من قصر، ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كاأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن مع تقريبه إيانا، وقربه منا، لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتدئه لعظمته، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوى في باطله، ولا ييئس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثَلَ في محرابه، قابضاً على لحيته، يتململ تملمُل السليم، ويبكى بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا، إليك عني، غُرِّى غيري، إلى تعرضت؟ أم إلى تشوقت؟ هيهات .. هيهات! قد باينتك ثلاثاً لارجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك حقير، وخطبك يسير! آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق".
وإن معاوية ليسمع هذا الوصف فيبكي، حتى تبتل لحيته بدموعه، ويقول: رحم الله أبا الحسين، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه بإِضرار؟ قال: حزن من ذُبح واحدها في حجرها!
فسلام الله ورحمته وبركاته على هذه الروح الطاهرة، سلام عليها في عليين، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن الولئك رفيقا؟
م…