/ صفحه 301/
ذلك الولد" الخ الخ، كما أنه من بدع الأداء النفسي، وإذا تلطفتُ، فقلت: إن معانى هذا الشعر وأخيلته من المعانى العامة والحظ المشاع بين الناس، أدبائهم وغير أدبائهم، رجعييهم ومجدديهم، فلا مفرلى من أن أقول إن أسلوبه يتصل نسبه بالأساليب العامية اتصالا قريبا.
بيد أنى ـ على كل أولئك ـ أوافقهم على أن إيليا أبو ماضى شاعر موهوب، يمضى شعره بحظ عظيم من الرقة والعذوبة، ولكن تعوزه الجزالة التي هى ملاك الشعر العربي، وقوام روعته وصولته، والتى هى ميزة القرآن الكريم وإحدى خصائصه، فلئن كان شعر إيليا نموذجا للشعر العالى في نظر المجددين؛ إنه لمن النوع النازل عند جمهور المحافظين.
وليس هذا بالرأى الجديد في عالم "النقد الأدبي" ولكنه رأى الشيخ عبد القاهر الجرجانى منذ القرن الخامس الهجري؛ فاسمع ما ذا قال:
"و إنك لا تجد شاعرا يعطيك في المعانى الدقيقة من التسهيل والتقريب، ورَدّ البعيد الغريب، إلى المألوف القريب، ما يعطى البحترى، فإنه يروض لك المهر الأرنَ رياضة الماهر، حتى يُعْنِقَ من تحتك إعناق القارح المذلل؛ وينزع من شماس الصعب الجامح، حتى يلين لك لين المنقاد المطيع، ثم لا يمكن ادعاء أن جميع شعره في قلة الحاجة إلى الفكر؛ والغنى عن فضل النظر، كقوله:
و سرى فيك إعلان فؤادى منك ملآن
و قوله: عن أى ثغر تبتسم؟
وهل ثقل على المتوكل قصائده الجياد، حتى قل نشاطه لها، واعتناؤه بها، إلا لأنه لم يفهم معانيها، كما فهم معانى النوع النازل الذي انحط له إليه؟ أتراك تستجيز أن تقول: إن قوله: "مُنَى النفس في أسماء لو تستطيعها" من جنس المعقد الذي لا يحمد، وأن هذه الضعيفة الأسْر الواصلة إلى القلوب من غير فكر أولى بالحمد، وأحق بالفضل؟!."(1)
ـــــــــــ
(1) أسرار البلاغة، ص 115 طبعة المنار؛ والأرن: البطر المرح، وأعنق الفرس: أسرع وسار العنق، وهو ـ بالتحريك ـ سير فسيح واسع للابل والدواب. والقارح: