/ صفحه 302/
وهل يعدو شعر إيليا على أسمى حالاته، طبقة النوع النازل من شعر البحتري؟! حدِّق… لتدلنى على الفرق إن كان! أيها القاريء العزيز.
وأعوذ بالله أن أدّعى أن الشعر الجديد كله من هذا الطراز، فاننى أقرأ لكثير من شعراء الأقطار الشقيقة، ومن شعراء مصر، شعرا يحوى الجمال الفنى من أطرافه، ويتبحبح منه في الذرا والمقدَّم؛ وهذا مثل أختم به هذا الحديث، من شعر الأنسة، فدوى عبد الفتاح طوقان، لا يحضرنى ـ الآن ـ غيره، أقدمه شاهدا لما قلت؛ وفيه غناء أى غناء.
من قصيده عنوانها: لن يقعد الأحرار عن ثأرهم.
و يمسح الفجر غواشى الظُّلَمْ ستنجلى الغمرة يا موطنى
لسوف يروى بلهيب ودم و الأمل الظاميء، مهما ذَوَي
ما يأتلى يحمل معنى الضرم فالجوهر الكامل في أمتى
اليقظ المستوفز المنتقم هو الشباب الحر ذخر الحمي
و شارِفِ الأفق، وجُز بالقمم غَلوُّا جناحيه، وقالوا: انطلق
و القيد، يا َللْقَيْد! يدمى القدم و استهضوه لا قتحام اللظي
جارفة الهول، عصوفاً عَمَمْ!(1) لكنّ للثأر غداً هَبَّةً
و من قصيدة، عنوانها: "تهويمة صوفية":
راح ينساب في مدى الآفاق(2) أى لحن مسلسل رَقْراق
على عمرة من الأشواق أيقظ الكونَ عند منبثق الفجر،
يسرى في روعة وانطلاق و إذا الحب ملء هذا الوجود الرحب
يسرى في روعة وانطلاق
الإلهى في سنى الاشراق
مُخْبِتاتُ خلف القيوم الرقاق وإذا الحب ملء الوجود الرحب
وإذا الكائنات يفرقها الوجد
السمواتُ من حنين ووجد
سكر، في لهفة المشتاق و الجبال الشماء تشخص نحو الله
أدْمُعُ الشوق رقرقت في المآقي و ندى الفجر في الرياض الخوالى
في نشوة، وفى استغراق! كل ما في الوجود من الوجود من روعة اسم الله،
كلما رنَّ في السكون صدى تسبيحة الله رائع الترديد
و أوْغَلنَ في الفضاء البعيد و سرث في الأثير أنغامها الطُّهْر
يَزدَهيها الفناء في المعبود أهطعت أنفسُ، وذابت قلوب
يَزدَهيها الفناء في المعبود أهطعت أنفسُ، وذابت قلوب
خَلجات الإيمان والتمجيد و تسامى الشعور يلهب فيها
يا لهذا الصفاء، يا لتجلى الله، يا روعة الجلال الفريد!
و يمضى مستغرقاً في الشرود لكأنى بالكون يهتف: يارب
لكأنى أشم عطر الخلود(3) لكأنى أحسُّ وشك اتصالي
(1)هذا شعر خصب، فيه جمال الجدّة، وجلال القدُمة، فيه الأخيلة الغربية، والجزولة الشرقية؛ ولو بشر المجددون بأمثال هذا الضرب من الشعر لقال المحافظون: آمين.
أما بعد، فما يزال الأدب العربى بعامة، والشعر العربى بخاصة، بخير، ما بقى القرآن الكريم؟
ـــــــــــ
(1) مجلة الرسالة، عدد 844.
(2) تريد أذان الفجر: سبحان فالق الإصباح.
(3) مجلة الرسالة، عدد ممتاز 861.