/ صفحه 293/
ومن الواضح أنه إذا كان التاريخ يعيد نفسه، فلاحاجة إلى العمل، ولا معنى للإصلاح، ولا للتفكير، ولا للتعليم والتثقيف، ولا إلى مقاومة الفقر والجهل والمرض، إذ يكفى أن تقف الأمة من الأمم تنظر عودة واحد أو اثنين أو ثلاثة من عصورها السالفة ـ إن كان لها من المجد التاريخ شيء سالف ـ وما عليها إلا أن تنتظر في صبر وجمود، كما ينتظر الميت عودة الروح. أما إذا كانت الأمة من ذوات الماضى المظلم، فليس لها إلا أن تقنع بما هى فيه راضية أو غير راضية، مادام تاريخها سوف يعيد نفسه.
لكنى أخشى أن الضرب على هذه النغمة النظرية لا يقرّب دعواي، ولا سيما أن القول بأن التاريخ يعيد نفسه قديم متواتر متأصل، وليس يجدى في معارضته جرس الألفاظ والنظريات ذوات الرنين والصليل، بل يحتاج المتكلم في ذلك الموضوع بالذات إلى البينة والبرهان عن طريق التاريخ نفسه، وفى عصور التاريخ القريبة والبعيدة ما يكفى هذا وذاك في يسر وسهولة.
وأقرب الأمثلة لنا التاريخ الإسلاي: هل تدل المقارنة بين العرب في الجاهلية وفى صدر الإسلام على أن التاريخ يعيد نفسه، أم تدل المقارنة بينهما في غير جهد أو عناء على أن العرب غيروا ما بأنفسهم، وغيروا تاريخهم، كما غيروا أفها مهم وأو ضاعهم وو أهدافهم، بعد أن أصبحوا أمة واحدة؟ وهل تدل المقارنة بين الخلافة الإسلامية في بغداد وفى القاهرة على أن التاريح يعيد نفسه، أم تدل على عكس ذلك تماما؟
وأضرب مثلا ثانياُ من التاريخ الإسلامى بسؤال القاريء إذا كان العالم كله أنجب في تاريخه الطويل غير محمد واحد، ولو كان التاريخ يعيد نفسه لأعاد شخصياته، ولتكرر ظهور أمثال محمد في مختلف العصور الإسلامية مثلاً، وهو مالم يحدث.
ويقال مثل ذلك في التاريخ العام، من أول قديمه إلى آخر حديثه. هل أتى على التاريخ إلا هانيبال واحد، واسكندر واحد، ويوليوس قيصر واحد، وشارلمان واحد، ونابليون واحد، وهتلر واحد.