/ صفحه 277/
وأهملت في ظلال هذه الحكومات القيم العليا للحياة، فالوطن والحكومة هما الصنمان الجديدان اللذان خر الإنسان المتحضر لهما ساجداً، وانضم اليهما المال فأصبح المال، والوطن، والحكومة، أصحاب المكان الأسمى في قلب الرجل المتحضر، وعبدها بعد ما صنعها وخلقها بيديه، وبعد أن كان الغرض من الحكومة أن تبطل الضطهاد الناس للناس، وأن تقر العدالة بينهم؛ أصبحت الحكومات أداة ظلم واضطهاد، وما دام في قبضتهم قوة وقنابل لهم الحق في بسط سيادتهم على الدول الأخرى لكسب المغانم المادية والاقتصادية لدولنهم، فأصبحت النتيجة أن قوات الحكومات المتزايدة التي كان عليها أن تعمل لخير الأفراد، ذضحت تستخدم في استرقان الناس وإيقاع الظلم بهم أكثر مما تستخدم لإنقاذهم من الظلم ونشر الحق والعدل بينهم، والاسلام يقلب هذه النظريات الخاطئة، ويضع أساس حكومة عادلة لخير البشر ويضع السلطة الحكومية في أيدى رجال يخافون الله ويخشونه، فإحقاق الحق، وخشية الله سبحانه وتعالى، ورعاية حقوق الناس، أهم الصفات الازمة للحاكم الذي يتولى أمور الناس، وإن القوة الروحية وحدها هى التي تمكن الإنسان من السيطرة على القوة التي تمده بها السلطة الدنيوية. وبغيرها تكون السلطة الدنيوية في خطر.
ولهذا بلغت الإدارة الحكومية الإسلامية في صدر الإسلام ـ وهى التي جمعت بين القوة الروحية والدونيوية ـ حداً من الكمال لم نر مثله في تاريخ الحكومات، وكان رئيس الحكومة يعتبر نفسه مئولا أولا أمام الله، وثانيا أمام موكليه أو مستأجريه ـ كما عبر أبوالعلاء المعرى في قوله: "و عدوْا مصالحها وهم أجراؤها"
ولكن ليس معنى ذلك ما فهمه البعض من أن حكومة الإسلام كانت حكومة ـ ثيوقراطية - أى حكومة دينية، رؤساؤها هم رؤساء الدين، فإن رؤساء الحكومات الإسلامية لم يدر بخلدهم أنهم ممثلو الله في الأرض، ويستدعى بسط تلك الفكرة مقاماً آخر نعرض لها فيه، كما نعرض لتفصيل ما أجملنا عن الخليفة، فاإلى الحديث القلادم إن شاء الله؟