/ صفحه 278/
أصُول الفِقِه للِشّيعة اِلْاماميّة
بين القديم والحْديث
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنيه
المستشار بالمحكمة الشرعية الجعفرية العليا ببيروت
يحتل علم أصول الفقه في جامعتى النجف وقم، المكانة الأولى بين سائر العلوم التي تدرس فيهما، فذو الشهرة بالفضل والتحقيق، وصاحب الحلقة الكبرى للتدريس، ومرجع الطلاب إذا احتدم بينهم النقاش والجدال، هو من أتقن أصول الفقه، وحقق فيها، وأحاط بها أصلا فأصلا.
وكل عالم أو طالب جاد لابد أن يؤلف ويكتب في الأصول، فكان من نتيجة هذا الاهتمام أن تطورت مباحث هذا العلم، وأدخل عليها تعديلات ونظريات حديثة ظهرت آثارها في مخالفة الأواخر للأوائل في كثير من الأحكام الشرعية التي ترتبط بأصولها ارتباط المعلول بالجزء الأخير من علته.
ولا يتسع لنا المجال لشرح جميع النظريات الحديثة والمقارنية بينها وبين ماذهب إليه المتقدمون، لهذا اكتفينا بشرح البعض مع الإشارة إلى بعض القواعد الأخر التي ننتبه إليها.
أصول الفقه علم يبحث فيه عن مفاد مصادر التشريع الذي يحدد أفعال المكلفين من رجحان الفعل أو الترك أو تساوى الطرفين، وتنقسم مباحث الأصول إلى لفظية وعملية، واللفظية ما يبحث فيها عن مفاد هيئة اللفظ منطوقا ومفهوما، لغاية تفهُّم ما تضمنه الكتاب والسنة من الأوامر والنواهي، وصيغ المعموم، وما إلى ذلك مماله دخل في استنباط الأحكام الشرعية من مداركها، وأنه هل للشارع في ذلك حقائق خاصة تخالف أفهام العرف العام؟
أما المباحث العملية فيبحث فيها عن الأصل الذي يرجع إليه المكلف إذا لم يصل إليه الدليل الشرعى من إجماع أو نص. أى لو فقد المكلف الدليل فماذا يجب عليه شرعا؟ فالأصل العملى يبين وظيفة الجاهل بحكم واقعة من الوقائع بسبب فقدان الدليل على نحو لو طبق المكلف علمله على مؤدى الأصل المقرر له لكان معذورا عند الله والناس غير مستحق لعتاب ولا عقاب إن خالف عمله الواقع، شريطة أن لا يلجأ إلى هذا الأصل إلا يعد اليأس من العثور على دليل احكم، ومعلوم أن هذا اليذس لا يحصل للمكلف إلا بعد أن يبذل أقصى ما يمكنه من جهد متتبعاً الآيات القرآنية، وكتب الحديث، ومؤلفات الفقهاء وفتاويهم، ومتى تهاون في البحث والتنقيب امتنع عليه العمل باأصل لا رتفاع موضوعه.
فالفرق بين ال ذصول اللفظية والعملية من وجهين، الأول: أن البحث في الأول يرجع إلى مفاد النص الشرعى بعد ثبوته وتحققه، وفى الأصول العملية يرجع إلى وضيفة المكالف المتحير الذي لم يصل إليه الدليل. الثاني: أن مدرك يرجع إلى وظيفة المكلف المتحير الذي لم يصل إليه الدليل. الثاني: أن مدرك الأصول غير اللفظية قد يكون العقل، كقاعدة قبح العقاب من غير بيان، وهى دليل البراءة، وقاعدة الشغل اليقينى يستدعى الفراغ اليقيني، وهى دليل الاحتياط وقد يكون مدركها الشرع، كحديث "لا تنقض اليقين بالشك" وهو دليل الاستصحاب، أما مدرك الأصول اللفظية فالعرف العام، وافق اللغة أم خالفها، فانه المتبع في المحاورات، ولا يقدم عليه شيء سوى الحقيقة الشرعية عى تقدير ثبوتها، وينبغى الانتباه إلى أن العرف حجه متبعة في تشخيص امعنى العام، لا في تطبيقه على أفراده الخارجية، لأن العرف يتسامح في التطبيق، وخاصة في الأوزان والمكاييل، والمساحات، فهو لا يشتبه أبدا في معنى الساعة، وأنها ستون دقيقة، ولكنه يطلق لفظ الساعة على مسافة دون الستين أو اْكثر منها.