/ صفحه 276/
عامة لشئون المسلمين، وهنا نقطة جديرة بالتنبه، ذلك أن بعض العلماء يفترض العالم كله داراً واحدة، والخلافة تشبه أن تكون تلك الشعوب والأمم خاضعة لتلك الحكومة العالمية، فليس من شرط الاندماج في ظل حكومة، أن يكون جميع المنضوين تحمت لوائها من دين واحد، ومعنى الحكومة العالمية في الخلافة على ذلك الرأى واضح جداً.
وهذه الحكومة العالمية هى التي يحاول الدعاة جادين تهيئة الرأى العالم العالمى لها، مع اختلاف الأشكال والصور، ولكن النتيجة المحتومة واحدة، لا بل إن الدول بدأت تظهر محاولات جدية عملية للوصول إلى فكرة كهذه، وما محاولات الكتل الإقليمية، وبرلمان الدول الغربية، وحلف الأطلنطي، إلا محاولات جزئية للسير إلى تلك الغاية التي أوضحها الإسلام نظرياً وعمليا، ومن قبل حاول مكياثيلى من من كتاب القرون الوسطي، أن يصور في كتاب (الأمير) ما يجب أن يكون عليه الملك العالمي، ووضح الدوافع التي تدعوه إلى امناداة بهذا الرأي، ولسنا نسبق الحوادث، فنقول: إن ذلك واقع لا محالة، ولكنا أشد تفاؤلا اليوم منا أمس، بأن فكرة العالمية، والوطن العالمي، هى المصير المحتوم للعالم، والتراياق الوحيد لشفاء تلك الأمراض المستعصية.
فالإسلام قد قدم العلاج للتخلص من شرور الحكومات التي عرفتها الأمم التي تدعى لنفسها القوة والغلب، فبعد أن وضع الأساس للأخوة البشرية، وللحكومة العالمية كما أسلفنا، وضع شكل الحكومة، بجيث يدفع مساويء الحكومات الأخرى، فالفاشية تخبرنا في كلمات مختصرة، أن الحكومة هى الكل في الكل، وما الفرد فيها إلا عبد يعمل وفق مشيئتها .. والبلشفية: شر من هذا، فهى تعمل إلى أقصى حد على تطبيق النظرية الفاشية، فتسلب الإنسان حريته وما له .. أما الديمقراطية فإن ادعاءاتها كنظرية ترن في الآذان الرنين الحلو، ولكنها عند التطبيق العملى تصبح شراً من أختيها السالفتين، فهى تستعبد ـ مستترة بأسماء مختلفة ـ أكثر من نصف الجنس البشري، لا لجريرة إلا ضعفه.