/ صفحه 264/
نشروها أينما حلت أقدامهم، وتسربت عنهم إلى أوروبا، فكانوا هم سببا لنهضتها وارتفائها.
"و لم يكتف المسلمون بأن يكونوا معلمين للأوروبيين، وملقنين لهم النهوض والمدنية، ولكنهم أسسوا في بلادهم جامعات، واقاموا مراصد، باعتبار أنها كانت تحت سلطانهم، فبقيت لأهلها بعد جلائهم، وأثمرت ثمراتها اليانعة لهم".
وقال العلامة (دريبر) السابق ذكره:
"أول مدرسة انشئت للطب في أوروبا هى المدرسة التي أسسها العرب في (بالرم) من إيطاليا؛ وأول مرصد أقيم فيها هو ما أقامه المسلمون في أشبيلية بأسبانيا، ولو أردنا أن نستقصى كل نتائج هذه الحركة العظمى لخرجنا عن حدود هذا الكتاب، فإنهم قد رقوا العلوم اقديمة ترقية كبيرة جداً، وأوجدوا علوماً أخرى لم تكن موجودة من قبلهم"
إننا نستأنس بهذه الذقوال عن علماء الفرنجة المعاصرين لندل قراءنا على أن الإسلام قد أحدث انتقالا عالمياً من ناحيتى العلم والمدنية لم تكن لتحلم به الإنسانية في عهد من عهودها السابقة؛ فهو ليس بدين خنوع واستكانة، ولكنه دين ترق عقلى ومدنى لا يقف عند حد، وهذا كله يرجع إلى الروح العولية المحمدية التي فقهت مرامى الوحى الإلهي، فأدركت كيف يمكن أن يجمع المسلمون بين العقائد الصحيحة والسيرة القويمة المؤديتين إلى أرقى مراتب الحياتين الروحية والمادية، وبين الخلط والخبط في المدركات الدينية، حتى تسقط بأهلها إلى حضيض المهانة، فتكون سبباً إما في هلاكهم أدبياً واجتماعياً، وإما في خروجهم على الأديان باعتبار أنها تودى بذويها إلى حياة الصغار والذل، وتقذف بهم إلى هوة الانحلال والتلاشي.
احتاط النبى (صلى الله عليه وسلم) لوقاية أمته من التأدى إلى هذه النهاية فأيقظ فيهم روح العمل لطلب الدنيا إلى جانب نشاطهم لا قامة الدين عملا بقول الله تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله اليك، ولا تبغ الفاسد في الأرض،