/ صفحه 260/
وعلة هذا تستوقف النظر؛ فليست المسألة مسألة خصومة بين الإسلام والمسيحية، ولو كان الأمر كذلك، لكان المعقول أن يكون الإسلام أقرب إلى المسيحية من أى دين آخر، وعلى الأقل أقرب إلى المسيحية من المسيحية إلى من أى دين آخر، وعلى الأقل أقرب إلى المسيحية من المسيحية إلى الوثنية، فليس الأمر أمر دين فحسب، ولكن يظهر أن هذه الخصومة والكراهية ترجع إلى أسباب أعمق من ذلك، منها ما خلفته الحروب الصليبية من الخصومة، فقد أراد الصليبيون أن يستولوا على الأقطار الإسلامية. وبذلوا في ذلك من الجهود الجبارة ما يعرفه التاريخ، واستعملوا للتغلب على المسلمين كل الوسائل الصادقه والكاذبة، فجمعوا كل قوتهم الماديه، ونشر القساوسة كل ما استطاعوا من تضليل وكذب، وافتراء على الإسلام، حتى صوروا الإسلام وصاحبه أبشع صورة وأفظعها. فلما لم ينجحوا مع ما بذلوا من كل هذه الجهود عادوا وهم يحملون الحقد والضغينة على الإسلام والمسلمين، وأورث السلف هذا للخلف.
هذا سبب، وهناك سبب آخر، وهو أن الإسلام أنجح الأديان في منافسة النصرانية بين الشعوب الوثنية، على الرغم من ضعف التبشير في الإسلام، وقلة ما يبذل من جهد في نشره، ومع قوة التبشير في المسيحية، وما يبذل في سبيل ذلك من جهود وأموال، فهذا التنافس بين الإسلام القوى والمسيحية سبب كراهية ونفوراُ، لأن الكراهية والنفور، تشتد بين الأقوياء؛ أكثر مما تشتد بين قوى وضعيف.
ومن الأسباب أيضاً أن الإسلام يبث في معتنقيه العزة، وأن تكون كلمة أهلة هى العليا، وكلمة غيره هى السفلي، ويحث على مقاومة حكم الغير، وعدم الخضوع للأجنبي، وهذا ما يقيظ الاستعمار كل الغيظ؛ وهل أتاك حديث زعيم فرنسى يحمل على تعليم العلوم باللغة العربية في بلاد المغرب، لأن اللغة العربية وسيلة للإسلام، والاسلام يناهض الاستعمار فإذا علمنا بالعربية، فقد مكنَّا من مناهضة حكم الأجنبي.
هذه الأسباب وغيرها هى التي حملت المدنية الحديثة على مناهضة الإسلام والمسلمين، والتنكيل بهم، وإقفال طريق الرقى أمامهم، وكان الواجب أن يشعر المسلمون بذلك كل