/ صفحه 259/
عموماً، أو الرقيق الأبيض، أو نحو ذالك مما يفيد استعمارها؛ لم تتورع عنه، لأنها لا تقصد إلى سمو في الخلق ولا نبل سفى الفضيلة، وإنما كل ما تقصد هو العزة القومية، والمجد الكاذب، بالمعنى الذي ذكرنا.
وليس هناك أى شعور إنساني، من الأخذ بيد الضعيف، وتعليمه علماً نافعاً، وترقيته والأخذ بيده، حتى ينهض بنفسه أو نحو ذلك، فهذا المعنى الإنسانى معدوم في نظر الاستعمار الغربي.
على هذه الأسس، استعمرت البلاد الإسلامية، وتقسمتها انكلترا وفرنسا وإيطاليا وهو لندة وغيرها، وكانت كلها سواء في هذين الأساسين، وهما تقويم المسائل حسب القومية، لا حسب الإنسانية، والعمل للمجد القومى والمنفعة القومية، بإذلال الأمم المفتوحة، واستغلالها وإضعافها. فليست تقدم لها علماً إلا علماً ضعيفاً الإخراج موظفين يخدمون الاستعمار، وليس هناك استغلال ثروة إلا لمصلحة الفاتح دون مصلحة المفتوح.
وهكذا أضعفت المدنية الأقطار الإسلامية، واسنزفت أموالها ودماءها وأخلاقها من غير مراعاة لأى شعور إنساني، أو إخاء إنساني، أو عطف كبير على صغير، أو مساعدة قوى لضعيف، وليس هناك من فرق بين هذه الأمم إلا في الأسلوب، لا في الجوهر والحقيقة.
ومما يستدعى العجب، أن المدينة الحدية الحديثة كرهت الإسلام والمسلمين أشد كراهة، بل إن كراهيتها للاسلام والمسلمين أشد من كراهيتها لسائر الأديان الأخرى، من يهودية وغيرها، بل أشد من كراهيتها للوثنية؛ فهى تكره المسلمين أشد مما تركه اليهود، وأشد مما تكره البوذيين وسائر الوثنيين، وتظهر هذه الكراهية في سوء المعاملة وحب الانتقام، وظلم ما يصدرعنها من أحكام؛ وإذا كان هناك نزاع بين مسلمين وغير مسلمين وتدخلت المدينة الحديثة، فإنما تتدخل للإيقاع بالمسلمين والتنكيل بهم، يتجلى ذلك في حكم الانجليز للهند، وتمييزهم في المعاملة بين المسلمين والهندو كيين، وفى المظهر الحديث في النزاع القائم بين المسلمين واليهود إلى كثير من أمثال ذلك.