/ صفحه 255/
وهم الأكفاء الذين تمكنوا من قواعد دينهم، وسمت أخلاقهم، حتى يأتمنهم المسلمون في أقضيتهم ومنازعاتهم.
ومن هنا ظهرت المذاهب الإسلامية، واختلفت وتعددت، وهى تسعى كلها إلى الخير وإلى الحق، دون أن تخرج عن الأسس التي جاءت في الكتاب وفى السنة فهى خاضعة من حيث المبدأ إلى التشريعات السماوية الخالدة.
فالشورى من القواعد التشريعية العامة، التي أمرنا أن نعمل بها في شئون المسلمين، وفى شئون الدولة. ولكن ترك تحديدها وتفصيلها للمسلمين، ليكونوا نوع الشورى الذي يتناسب مع حياتهم الاجتماعية.
وهنا صح للمسلمين أن ينشئوا مجالس نيابية بجانب ولى الأمر. وجاز لهم أن ينشئوا يجانب هذه المجالس أيضاً مجالس أخرى، تراقب الأولى، وتراجع ما تقرره، تكون قراراتها أدعى إلى الطمأنية، وأقرب إلى السداد.
ويجوز للجماعة الإسلامية أن تطمئن إلى قرار أهل الذكر، فتحصر النواب فيمن ترى فيهم كفاءة في نواحى النشاط الاجتماعي، كما يجوزلها أن تجعل الانتخاب حراً طليقاً، تختار الأمة من تشاء، إذا لم تجد حرجا من ذلك.
كل هذا وغيره من الأمور التي لم يشأ الإسلام أن يدخل في تفاصيلها.
بل تركها إلى ضمير الشعب ودينه وخضوعه لقواعد الإسلام الأساسية، التي أمربها من عدل ورحمه، واحترام للحقوق الفردية والحقوق العامة والالتزامات والعهود.
تلك هى القواعد العامة التي تباهى بها اليوم الديمقراطيات الحديثة، وهى من مباديء الإسلام الأولى، التي لم تترك تحت رقابة الضمائر والنظم والقوانين فحسب. بل تحت رقابة الله العليا، وهو الذي يعلم ما تخفى الصدور، ويراقب المرء في سره وفى علانيته.