/ صفحه 253/
لذلك لم يكن المسلمون الأولون ـ وهم أكبر حجة في فهم معنى الإسلام ـ يعدون جيشاً للاستعمار، ولكن كانوا بتركون من فتحت بلادهم يديرون أمورهم كيف شاموا، وإذا أسلموا لم يكن لأحد عليهم من سلطان ‌إلا سلطان كتاب الله، وما للمسلمين بعضهم على بعض من حقوق النصح والشفقة والإحسان.
لست أريد هنا أن أقارن بين تلك العدالة الشاملة، والحرية الكاملة، وبين الكبت والعسف والاستبداد التي كان يئن العالم منها في ذلك الحين ويعد ذلك الحين، وفكتب التاريخ مليئة بذلك النوع، بين أن الطغيان والجبروت كان دين حكام أوروبا، حتى بلغ أن قال بعضهم ـ لويس الرابع عشر ـ في القرن السابع عشر، وأوائل القرن الثامن عشر من الميلاد: "أنا الدولة".
وظل دلك الوضع سائدا ححتى الثورة الفرنسية التي أعلن فيها الفرنسيون مبادئهم السامية الثاثة (الحرية والإخاء والمساواة) وهى ليست إلا إحدى المباديء السامية التي أعلنها الإسلام قبل ذلك بأحد عشر قرنا.
وضع الإسلام قواعد عامة لقيادة الجماعة، ولأصول الأحكام، وضع قواعد أغلبها عام يرجع إلى مكارم الأخلاق، وتحقيق العدالة، وإزالة المنكر، وجعل الحكم شورى بين المسلمين، ولكن تفاصيل تلك الشورى متروكة للمسلمين ليقرروا أصلح الأنواع التي تتناسب مع الزمان والمكان وظورف الأحوال، ولما يجد من أحداث، ولما يرتبط بالعالم الإسلامى عند اتساع رقعته من أمم وتقاليد وعادات.
فقواعد الإسلام في هذا الباب. وفى كثير غيره عامة ومرنة، تتسع لكثير من الأمور الجديدة التي تستدعيها طبيعة العمران، ولقد كان الإسلام حكيما في ذلك، وحكيما في أنه لم يترك للناس التصرف في معنى الأخلاق ومدلولها، خيفة أن يزيفوا ويضلوا في تحديد الأخلاق الكريمة، تحت عامل الجهل أو الشهوة.