/ صفحه 252/
أرأيت كيف غضب حين قال أبوذر الغفارى لعبد زنجي: "يا ابن السوداء" وقال له: طفَّ الصاع طفَّ الصاع، ليس لا بن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو بعمل صالح؟.
انظر إليه يقرر في حجة الوداع دستور المسلمين في هذا الصدد، فيقول: "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربى على عجمي، ولا لعجمى على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض فضل إلا بالتقوي. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب".
فلما بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأعلم الناس بوحدة الخالق وبوحدة المخلوق انتهت مهمته في هذا العالم، ففارقه مطمئنا، تاركا فينا ثروة، لو تمسكنا بها لكانت نورا هادياً إلى سبيل الرشاد.
وهى تلك الثروة التي لا نجد لها شبيها من عمل الإنسان، فقد ناقضت ما كان عليه أهل الحجاز من عادات وعقائد وتقاليد، وما رآه فلاسفة اليونان والرومان ووصلوا إليه من ثقافات، بل كانت ثورة عليها لأنها كانت تستعبد الإنسان للإنسان وقد خلق الله الكل متساوين في الحقوق والالتزامات.
وحق لها ذلك، فهى دين الخلود، وخاتمة الإديان، ومكملة الرسالات التي جاء بها النبيون من قبل: إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى وعيسى والنبيون أجمعون، وبذا اختتمت سلسلة الرسالة واكتمل بناء النبوة.
وقد كانت الشعوب المضطهدة تستقبل المسلمين تبرحيب واستبشار بل يدعونهم للدخول، ويفتحون لهم الأبواب، كما فعل المقوقس رئيس أقباط مصر، وغير هم من الشعوب وحكام الأقاليم، لينقذوهم من برائن الحكم الغاشم، حكم الدخالء الغاصبين، إذ أن العرب لم يكونوا مستعمرين طامعين في التوصع الاقليمى رغبة في ملك أو مادة، ولكن كانوا مؤمنين بتلك الدعوة، يحاولون إزاله الغواشى التي كانت تقف حاجزا، تمنع الضعفاء من الاستماع للحق والانصات لكلمة الهدى والرشاد.