/ صفحه 25/
المفكر والهمة الحازمة والشركات الممولة واليد العاملة، ولو أنه أتيح له كل ذلك لكثرت أمواله وزاد غناه، فنشأ عن ذلك محو الفقر المدقع، وارتفع مستوى المعيشة، حتى بين الطبقات الفقيرة، ثم نتج عن ذلك انتشار العلم وانتشار وسائل المدنية، ورقي الصناعة، بل لنشأ عن ذلك أيضاً إصلاح السياسة. فالرأي العام الفقير الجاهل ليس له من القوة ما للرأي العالم الغني المثقف. وفي قولهم هذا كثير من الصحة فإني أعتقد أن الأعداء الثلاثة وهي، الفقر والجهل والمرض تزول كلها بزوال الفقر، والفقر يزول بتنظيم الحياة الاقتصادية.
***
والأرض التي خلقها الله تكفلت بتقديم الضروريات لجميع أبنائها إذا عقلوا، وقد كان الإنسان الأول مكفى الحاجة قليل الجهد في الحصول عل ضروريات حياته، فهو يعتمد على ما يجده من أثمار الأشجار أو من الصيد، ويلبس مما ينتجه الحيوان، ويسكن الكهوف، ولا يحس أي إحساس بأزمة مالية، ولكن شاء الله أن يخلق الإنسان طموحا إلى تحسين حاله، راغبا بطبيعته في الحياة الاجتماعية، مضطرا إلى القرار ما أمكن بحكم تربية أولاده الذين يتطلبون في تربيتهم زمنا أطول مما تقتضيه تربية الحيوان إلى غير ذلك، فزرع الأرض واستقر، وكلما تقدم الزمن زادت مطالب حياته، وتأنق في مسكنه ملبسه ومأكله، وكان بحكم الطبيعه أن تفاوت الناس في القدرة على الكسب، فذكي وغبي، وماهر وأخرق، وبعيد النظر وسفيه، وفيلسوف ومغفل، إلى غير ذلك، فكان من ذلك اختلاف الثروات، ومن يعيش عيشة سعيدة، ومن يعيش عيشة شقية، ومن يجد فوق حاجته، ومن لا يجد حاجت، وكلما تقدمت المدينة زادت هذه الأمور تعقيدا، وفكر في الحلول لها، ووضعت المقترحات والنظم الاقتصادية لحلها وتنظيمها.
وكان أكبر العقبات الفروق الكبيرة وفي الثروة، واستبداد الغني بالفقير، والقادر بالعاجز، وصاحب رأس المال بالعامل، وعلى هذه الحلول والمذاهب