/ صفحه 236/
الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم".
وبعد أن تكشف السورة لهؤلاء
الذين أسرفوا في شأن عيسي، شبهتهم التي ضلوا بها عن حقيقة التوحيد، وعن حقيقة الدين عند الله، تسلك معهم سبيلا آخر فتأمر الرسول محمداً (صلى الله عليه وسلم) بأن يتقدم اليهم في ثقة بنفسه واطمئنان الى دعوته، فيدعوهم الى المباحله وهى أن يجتمعوا جميعاً مع محمد صلى الله عليه وجماعته في صعيد واحد، ويستمطر الكل لعنة الله على الكاذب من الفريقين، "فمن حاجك فيه من بعدما جائك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين" تزلزلت أقدامهم واضطربت أعصابهم وعلموا أنهم إذا قبلوا لدعوة إلى هذه المباهلة فهو الفناء للوالدوما ولد، وهو المحق الذي لا يبقى ولا يذر، فتولوا وانقطعوا عن الحجاج،
وهكذا كما تحدى القرآن المشركين أن يأتوا بمثله وهم أرباب اللسان والبيان، تحدى المسرفين في شأن عيسى بهذه المباهلة السهلة الهينة لو كانوا صادقين فلم يقدروا عليها، ثم تحدى التاريخ في كل ما قصه في شأن عيسى بقوله "إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم".
بعد هذا تتجه السورة إلى انبى (صلى الله عليه وسلم) فتأمره أن يوجه إليهم جميعا دعوة المنتصر في حقه، القوى في برهانه، الحريص على خير خصمه وسعادته، مناشدا إياهم بما يقربهم إليه، ويخفف من غطرستهم وغلواهم "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون".
هذا هو مجمل ما عرضت له السور ة من الحجاج الخاص بالشبه التي أثارتها عند القوم ولادة عيسى وخوارقه، وقد كانت لهم فنون من الحيل، وألوان من الشبه، قصدوا بها على وجه عام إضلال المؤمنين، وفتنتهم عن دينهم، وقصدوا بها تبرير استمرارهم على العناد والمكابرة، ومنع من يريدون الإيمان من أتباعهم بمحمد ورسالته.